الوقت- على وقع الخطوات الإيرانية المتصاعدة في مواجهة عدم الالتزام الأوروبي بالتعهدات التي يفرضها الاتفاق النووي، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، أن بلاده على استعداد لمساعدة الدول الخليجية في مجال الطاقة النووية.
الدعوة الإيرانية الجديدة تأتي بعد أيام على كلام نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله إن بلاده نقلت رسائل من إيران للسعودية والبحرين بشأن الوضع في الخليج الفارسي ولم تتبلور إجابات بعد، وكذلك بعد أشهر وسنوات على الدعوات المتتالية التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حول السلام الإقليمي ليس آخرها مبادرة "السلام لهرمز" التي طرحتها طهران في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر (أيلول) الماضي، وشدّد عليها وزير الخارجية الإيراني لاحقاً.
دعوات الدكتور ظريف للجيران الخليجيين لم تتوقّف في يوم من الأيام، هذا ما أكدّه قبل يومين في مقال نشرته صحيفة "الرأي" الكويتية مشيراً إلى أن المنطقة بحاجة الى حوار شامل، وداعياً دول المنطقة للانضمام إلى مبادرة هرمز للسلام.
الدكتور ظريف الذي لفت إلى أنّ "المنطقة تعاني من فقدان الحوار الاقليمي الشامل في المجالات المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى جفاف جذور السلام والعمران إلى الأبد"، أشار إلى أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن خلال استيعابها للمخاطر المستقبلية كانت قد اقترحت سابقاً مبادرتين هما: «مجمع الحوار الاقليمي» و «معاهدة عدم الاعتداء».
بعيداً عن المبادرات الثلاث المقدّمة من قبل إيران (مجمع الحوار الإقليمي، معاهدة عدم الاعتداء ومبادرة هرمز للسلام)، تطرح طهران اليوم نوعاً آخر من المبادرات وهي المبادرة النووية تظهر اقتدار الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة من ناحية، ونواياها الحسنة تجاه الدول الخليجية من ناحية أخرى، وهنا نشير إلى التالي:
أولاً: تنظر إيران إلى الدول الخليجية بعين الأخوة، حيث طالما أكّدت أن السبب الرئيس في أزمات المنطقة هو الحضور غير "الإقليمي"، أي الغربي في المياه والتراب الخليجي، إيران طرحت في السابق مبادرات إقليمية لحماية المنطقة تضمّنت خروج هذه القوات التي تدفع ببعض حكام المنطقة لخلق التوتّر، الدول الغربية التي دعمت صدام حسين كانت سبباً في هجوم الأخير سواءً على إيران أو على الكويت، هي أيضاً التي دفعت بالسعودية لمعاداة إيران والهجوم على اليمن.
ثانياً: تُظهر هذه المبادرة حجم الاقتدار الإيراني على الصعيد النووي، لاسيّما أن أغلب الخبراء هم إيرانيون، الاقتدار النووي الإيراني لم يعد كافياً لإنتاج الطاقة النووية الإيرانية فحسب، بل يمكن تصدير هذه التكنولوجيا إلى الخارج، طهران التي لمست رغبة خليجية ببناء مفاعل للطاقة النووية، عمدت إلى تقديم هذه المبادرة التي ستخفف من حدّة التوتّر من جهة، وستحدّ من الأموال الطائلة التي ستدفعها هذه الدول للدول الغربية من جهة أخرى.
ثالثاً: تأتي مبادرة الدكتور صالحي، الذي يتقن اللغة العربية كلغته الأم، والتي أطلقها أثناء حضوره مراسم تدشين العمل في الوحدة الثانية بمحطة بوشهر النووية، تأتي في إطار المبادرات الثلاث السابقة، أي الحوار والتعاون الإقليمي على كل المجالات، لا بل إن طهران مستعدة أيضاً للمساعدة في بناء الطاقة النووية لهذه الدول، وتحديداً السعوديّة، التي لطالما تحدّثت عن مخاوف "غير مبررة" من البرنامج النووي الإيراني السلمي.
رابعاً: لا نستبعد أن تتقدّم إيران أيضاً بعروض لبيع السلاح لهذه الدول الخليجية في العام المقبل، كون الاتفاق النووي قد سمح لها بتصدير السلاح بعد هذه الفترة بإمكان هذه الدول شراء منظومات السلاح الإيرانية، لاسيّما أن المنظومات الأمريكية قد أثبتت فشلها في العدوان السعودي على اليمن.
إن التحرّكات الإيرانية تشير إلى أن طهران مستعدّة للتعاون إلى أبعد الحدود مع الدول الخليجية، وهنا نقصد السعوديّة، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، بل حتى فيما يتعلّق بالملفات التي تثير حساسية السعودية.
السعودية تستخدم نهجاً "أمريكياً" في التعامل مع طهران منذ انتصار الثورة الإسلاميّة عام 1979، ولم يعد عليها بأي فائدة تذكر، ولكن ماذا لو انتهجت أسلوباً آخر؟
نعتقد أن التعاون الإقليمي خارج الدور الغربي سواء الأمريكي أم الأوروبي سيعود بالفائدة على السعودية وإيران على حدّ سواء، ومن خلفهما على كل شعوب المنطقة، عدا الكيان الإسرائيلي الذي سيكون الخاسر الأكبر.