الوقت- بالأخذ بما اطلِق عليه الربيع العربي إلى جماعات التخريب والإرهاب وانكشاف مخططات الغرب لمنطقتنا وما رشح عنها من تآكل للتحالفات السياسية التقليدية، كل هذا وأسباب أخرى ولدت الحاجة لدى الأنظمة السياسية لا سيما تلك الوليدة لإنشاء علاقات سياسية ذات طابع جديد تضمن امنها واستقرارها وتكون كفيلة بدرء المخاطر عنها. واحدة من هذه العلاقات هو ما بدأ تظهر أولى بوادرها بين مصر وسوريا، تجدر الإشارة إلى أن أي نوع من العلاقات المصرية السورية لا تأتي منفكة عن المحور الروسي الإيراني باعتبارهما الداعمين الأكبر لصمود الشعب السوري في محنته. فما هي مؤشرات بوادر هذا التقارب؟ وما هي الدوافع والأسباب الحقيقية التي تقف خلفه؟
بوادر تقارب
1- تأتي تصريحات نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية الأخيرة حول استعداده لمقابلة وزير الخارجية السوري وليد معلم في أي وقت يختاره مؤشراً واضحاً على نية في التقارب خاصة أن نبيل العربي المصري الجنسية لا يصرح بمثل هذه التصريحات دون المرجعية المصرية. هذا ويأتي تصريح العربي بأن سوريا عضو في جامعة الدول العربية ولم تجمد عضويتها إطلاقا بل علقت مشاركتها في اجتماعاتها بعد سنوات من مقاطعتها مؤشراً على الرغبة المصرية وشبه العربية بالتقارب مع سوريا حول ملف الجماعات التخريبية.
2- استقبال وزير الخارجية السوري وليد المعلم للوفد الإعلامي المصري الذي حل ضيفا على دمشق لرؤية الأوضاع في سوريا ومعاينتها ميدانيا وتسجيل تقرير عن صمود الشعب السوري بوجه المؤامرة التخريبية التي ولدتها الجماعات التكفيرية، وتجدر الإشارة إلى أن السياسة المصرية تعتمد اسلوب توجيه الرسائل على وسائل اعلامها. وقد جاءت تصريحات وليد المعلم خلال لقاءه للوفد تأكيداً على ارتفاع مستوى التنسيق النظامي والأمني بين مصر وسوريا في مواجهة التكفير، هذا إلى المعلومات التي رشحت عن نية مصر إرسال مبعوث لها إلى سوريا لرفع مستوى التنسيق.
3- خطاب الأسد الأخير والذي شدد فيه على دور دول الجوار في مواجهة الفكر التخريبي التدميري الذي تنفذه جماعات الإرهاب خدمة لمنافع الغرب الإستعماري والذي يطال بضرره كل المنطقة، وقد جاء في حديثه التأكيد على ان سوريا في نفس الخندق مع الجيش المصري وشعبه في مواجهة الجماعات التخريبية الذين يبدلون مسمياتهم كما تبدل مسميات أي منتج فاسد، وتحدث عن أن سوريا حرصت على العلاقة مع مصر حتى خلال وجود محمد مرسي بالرغم من كل إساءاته للشعب السوري وحكومته مشيراً إلى أن التواصل بين البلدين لم ينقطع، وقد لفت الأسد في حديثه إلى أن سوريا تريد لمصر دور الدولة الفاعلة التي تساعد بقية الدول العربية انطلاقاً من تاريخها العريق.
دوافع التقارب
1- الرغبة لدى السلطات المصرية بتدعيم علاقاتها لما يحقق لها الفاعلية الإقليمية انطلاقا من قاعدة خيارات التحالف البديلة خاصة بعد أحداث الربيع العربي وما نتج عنه والتي انهت التحالفات السياسية التقليدية، وبالإنطلاق من العلاقات السورية الروسية الإستراتيجية التي يتمتع بها البلدان، فإن مصر ترى في علاقتها مع سوريا تمتينا للعلاقات مع الفاعل الروسي الذي يمتلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن وما له من تأثير وقدرة على توظيفه فيما يخدم طموحات مصر السياسية، خاصة وأن مصر ترى أن سوريا كما حليفتها روسيا لم تبد أي تدخل في قرارات مصر الداخلية ولا تلك المتعلقة بأحكام الإعدام على جماعة الإخوان المصرية كما فعلت الدول الأخرى وهو ما وجدت فيه السلطات المصرية تضامنا سوريا روسيا مع السلوك السياسي للقيادة المصرية.
2- السياسة الامريكية اتجاه العلاقات مع مصر والمتسمة بشيء من الفتور وهو ما يظهر بوضوح في حديث امريكا بشأن تجميد الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية التي كانت قد خصصتها لمصر، هذا إلى الغاء امريكا مناوراتها مع الجيش المصري لما اطلق عليه النجم الساطع. ولهذا ترى القيادة المصرية ومن خلال تقاربها مع سوريا وبالتالي روسيا عاملا مساعدا لتقوية الخيارات السياسية المصرية واستراتيجيتها المتبعة، اضف إلى ذلك تحسين الكفاءة القتالية للجيش المصري المعتمدة منذ عقود على السلاح الغربي الأمريكي بالدرجة الأولى.
3- الرؤية المشتركة للقيادة السورية والمصرية حيال الجماعات التخريبية والمنهجية اللازم اتباعها لوضع حد لها، خاصة بعد الهجمات شبه اليومية التي تشهدها سيناء في الجانب الشمالي من مصر، وتصاعد موجة التفجيرات والإعتداءات على الشعب والجيش المصري، هذه الأحداث ترى فيها القيادة المصرية مؤشراً لأعمال تصعيدية قد تشهدها الأيام القادمة حال لم تنتهج سياسة تقاربية مع الدول التي يمكن لها أن تساهم في وضع حد لهذه الأعمال ومنها سوريا التي تقف اليوم ومع تراكم التجارب بوجه هذه الجماعات التخريبية. هذا وترى القيادة المصرية أنها تشترك في رؤيتها والقيادة السورية اتجاه الموقف من الدول الداعمة لجماعة الإخوان المصرية ناهيك عن الدعم للجماعات التخريبية في كل من سوريا والعراق.
4- ترى القيادة المصرية في تقاربها من سوريا تباعدا عن توجهات العائلة الحاكمة في السعودية، هذا التباعد الذي من شأنه أن يرسم أمام القيادة المصرية التوجه المستقبلي في الوقوف امام الترابط السعودي والمحور الذي تعمل على تشكيله والمتسم بالتراخي والتهاون اتجاه التحديات التي تواجهها مصر ازاء جماعة الإخوان المصرية والتيارات الداعمة لها ولحركتها.