الوقت- كان للتباطؤ في النمو الاقتصادي للبلدان المتقدمة في أعقاب الترويج للسياسات التجارية التي أدّت إلى تباطؤ نسبي في الاقتصاد العالمي تأثير على الحالة الاقتصادية في البلدان النامية.
ووفقاً لنتائج المؤشر التي قام بتتبعها مركز أبحاث "بروكينغز" ومعهد "فاينانشيال تايمز" في شهر مايو من هذا العام، فإن تلك النتائج تشير إلى أن التجارة العالمية قد دخلت في ركود وأنه سيكون من الصعب التعافي منه في عام 2019 وهذا الأمر دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من حدوث ركود في الاقتصاد العالمي في سبتمبر من العام المقبل.
إن وجود هذا العامل المهم إلى جانب المشكلات الاقتصادية المحلية في البلدان النامية مثل الفساد، وسوء الإدارة، وعدم كفاية الهيكل الاقتصادي، ووجود حكومات تعتمد على برامج التقشف للحصول على قروض أجنبية، والحروب وانعدام الأمن لديها، قد أدّى إلى عدم قدرة العديد من حكومات بلدان غرب آسيا في السنوات الأخيرة على معالجة تلك المشكلات.
وحول هذا السياق، توقّع البنك الدولي في تقريره الجديد عن الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن ينخفض متوسط النمو الاقتصادي لهذه البلدان بنسبة 0.6 في المئة في عام 2019.
كما أشار البنك الدولي إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى العالم، وتصاعد التوترات الجيوسياسية وهبوط أسعار النفط، تعد من أهم أسباب تباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن لبنان يُعدّ واحداً من تلك البلدان التي كانت تعاني من أزمات سياسية واقتصادية خلال السنوات الأخيرة، ولهذا فلقد خرج العديد من المتظاهرين في الأيام الأخيرة إلى شوارع العاصمة اللبنانية وأجزاء أخرى من البلاد للاحتجاج على الوضع الاقتصادي والفساد والزيادات الضريبية.
ولقد تسببت تلك الاحتجاجات بدورها في حدوث شروخ وانشقاقات في حكومة الائتلاف اللبنانية، حيث أعلنت بعض الجماعات السياسية، مثل "سمير جعجع"، زعيم حزب "القوات اللبنانية"، عزمها على سحب وزرائها الأربعة من الحكومة اللبنانية وذلك من أجل الضغط على رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" لإيجاد حلول جذرية للأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيش فيها أبناء الشعب اللبناني.
وردّاً على هذه الاحتجاجات، قامت حكومة "الحريري"، بالإضافة إلى إلغاء الزيادات الضريبية في ميزانية الدولة للعام المقبل، بتوجيه العديد من الاتهامات لعدد من الاحزاب السياسية المشاركة في حكومة الائتلاف اللبنانية وقامت بإمهالهم 72 ساعة للتوصل إلى حل للأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بالبلاد، وفي هذه الأثناء دعم "حزب الله" موقف المحتجين ودعا إلى محاربة الفساد وتحسين سبل العيش، ودعا أيضاً إلى مواصلة عمل حكومة "الحريري" لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد من خلال قيامها ببعض برامج الإصلاح الجديدة.
جذور المشكلات الاقتصادية في لبنان
اتسمت سياسات جميع الحكومات منذ بداية سبعينات القرن الماضي بحالة من الجمود، وقد انعكس هذا الجمود على حركة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أضعفت الحروب التي شهدها لبنان ما بين عامي 1975 و 1989 السلطة، وأفقدته سيادته، ودمّرت البنى الاقتصادية كما تسببت بشرذمة المجتمع، وتعطيل حركة التواصل بين اللبنانيين، وأصابت في الصميم نظام القيم الأخلاقية.
ولقد حاول الرئيس "رفيق الحريري" أثناء توليه رئاسة الحكومة تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال اعتماد خطة إنمائية، نجحت في إعادة بناء جزء أساسي من البنى التحتية، وإعادة بناء وسط العاصمة بيروت، ولكن منذ اغتياله، عام 2005، يشهد الاقتصاد اللبناني حركة تراجع بسبب انسحاب الاستثمارات الأجنبية والعربية، وذلك في ظل الأورام السياسية والأمنية المتفاقمة، ما يدفع بالوضع الاقتصادي نحو المزيد من التفاقم والفساد المنتشر في الطبقة السياسية وفي الإدارة، حيث تجري سرقة المال العام، ويدفع هذا الوضع المسؤولين في البنك الدولي إلى حالة من الإحباط، مع تصور إمكانية أن يقع لبنان في ورطة اقتصادية على غرار ما شهدته اليونان عام 2009.
يذكر أن جهود الحكومات اللبنانية السابقة اعتمدت على القروض الأجنبية من أجل تعويض العجز وسداد الديون والخدمات العامة، لذلك أصبح لبنان الآن أحد أكثر البلدان مديونية في العالم، حيث بلغ متوسط الدين الخارجي للبنان 16.1 مليار دولار أمريكي خلال الفترة من عام 1993 وحتى عام 2018، ليصل إلى أعلى مستوى له وهو 35.6 مليار دولار في مايو عام 2018.
لذلك، وكما قال الأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله"، فإن المشكلات الاقتصادية في لبنان جاءت نتيجة لفساد الحكومات السابقة خلال الفترة الماضي وأنه يمكن للحكومة الحالية أن تتحمل المسؤولية الكاملة.
البرامج الاقتصادية أم الوصفات الطبية المؤقتة؟
بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في فبراير من العام الماضي، أعلن "سعد الحريري" عن خطط لإصلاحات اقتصادية في قطاع الخدمات، وخاصة الكهرباء، والتي تكلف الحكومة حوالي ملياري دولار في السنة ولقد تكررت هذه التصريحات من قبل، ففي عام 2017، أعلن "الحريري" عن تشكيل حكومة بعد تأخير لمدة عامين لانتخاب الرئيس، وأعلن أيضاً عن برنامج إصلاح اقتصادي قائم على الضرائب، وهذا الأمر لم يشعل الاحتجاجات الشعبية فحسب، بل أثار أيضاً احتجاجات داخل العديد من الأحزاب اللبنانية مثل حزب الاشتراكية التقدمية بقيادة "وليد جنبلاط" وحزب "كاتا المسيحي" وحتى "حزب الله".
من المؤكد أن السبب الرئيس وراء تركيز "الحريري" على موافقة البرلمان اللبناني في أقرب وقت ممكن على الإصلاحات المقترحة، يرجع إلى مطالبة المؤسسات الدولية والحكومات الأجنبية التي تقرض الحكومة اللبنانية الكثير من الأموال لإجراء مثل هذه الإصلاحات والتي تعهدت بتقديم مبلغ 11 مليار دولار للحكومة اللبنانية في مؤتمر "سايدر" الذي عُقد في العاصمة الفرنسية "باريس" في أبريل الماضي.
وبالأمس، ألقى "الحريري" باللوم على أحزاب الائتلاف المشاركة في حكومته والتي اتهمها بإعاقة عملية التوقيع على مسودة الإصلاحات للحصول على 11 مليار دولار من المساعدات الخارجية من المقرضين الدوليين، وفي حين رحّبت الحكومة بهذه القروض، فقد أعرب العديد من النقاد عن قلقهم إزاء جماعات الضغط القوية البنكية التي قد تؤثر على القرارات السياسية اللبنانية في المستقبل، ولهذا فلقد دعا قادة "حزب الله" جميع الأحزاب اللبنانية إلى العمل بجد لمكافحة الفساد، وقالوا بأن استقالة "الحريري" وأعضاء مجلس الوزراء لن تؤدي إلى تحسين الظروف الاقتصادية التي تعيش حالة من الانهيار في لبنان فحسب، بل إنها ستقود البلاد أيضاً إلى حقبة أخرى من الفوضى السياسية وأزمة فراغ سياسي جديد في البلاد.