الوقت- كانت الأوساط السياسية والإعلامية الإقليمية والدولية تتحدث منذ فترة طويلة عن الخلافات بين السعودية والإمارات في اليمن، مع ذلك وحتى بعد إعلان الإمارات انسحابها من الحرب، يؤكد الطرفان على الوحدة والوئام الكامل بينهما فيما يتعلق بأهداف الحرب، لكن الاستيلاء على القصر الرئاسي في عدن من قبل الانفصاليين الموالين للإمارات، وهروب ممثلي منصور هادي المدعوم من الرياض، قد أثبتا حقيقة الفجوة الخطيرة ونهاية التحالف السعودي الإماراتي.
والآن بالنظر إلى هذه الحقيقة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه بعد انسحاب الإمارات وطرد حكومة منصور هادي المستقيلة من الجنوب، ما هي الخطة التي ستعتمدها الرياض لمستقبل الحرب اليمنية؟ وبشكل أساسي، ما هي الخيارات التي يراها السعوديون أمامهم؟ في هذا السياق، وبالنظر إلى التحركات الأخيرة للسعوديين، يمكننا أن نتحدث عن ثلاثة سيناريوهات مختلفة.
معركة الجنوب ونهاية سريعة للحرب
أول سيناريو محتمل يمكن أن يفسر نهج السعودية تجاه مستقبل الحرب اليمنية، هو إمكانية وضع حدّ فوري للحرب من خلال إجبار السعودية على التعامل مع ما يحدث في البلاد، أي تقسيم اليمن إلى الشمالي والجنوبي، ولوحظ خلال الشهر الماضي أن هناك مؤشرات مختلفة على تقييم الرياض لكيفية الخروج من مأزق الحرب في اليمن بشكل مشرّف.
وفي الشهر الماضي، قال مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة "عبد الله المعلمي"، في كلمة ألقاها في مقر المنظمة في نيويورك، إن بلاده لا تسعى إلى الحرب مع إيران، وقد حان الوقت لتنتهي الحرب في اليمن.
وأضاف إن السعودية لا تريد الحرب مع إيران لا في اليمن ولا في أي مكان آخر.
يمكن فهم هذه التصريحات على أنها علامة على محاولات الرياض الخروج بسرعة من مستنقع اليمن، عندما ننظر إلى مسار سيطرة أنصار الله على التطورات الحربية، وحتى قدرتها على مهاجمة المنشآت النفطية السعودية في الأشهر الأخيرة.
ففي الوقت الذي تواجه فيه السعودية الهزيمة في اليمن كل يوم، تزيد أنصار الله من قدراتها العسكرية، حيث يتحدث الخبراء عن قفزة نوعية كبيرة في الحرب، خاصةً بعد إطلاق صاروخ باليستي على مركز صناعة النفط السعودي في الدمام (بمسافة 1200-1300 كم(.
لقد واجهت هجمات أنصار الله المؤلمة عدم قدرة أنظمة الدفاع الجوي السعودية، ولا سيما نظام باتريوت، على منع هذه الصواريخ من الوصول إلى أهدافها.
وفي الحقيقة، هدف السعودية الآن ليس الانتصار على اليمنيين، بل الحدّ من الهجمات اليمنية الموجعة، ومن ناحية أخرى، لا ينبغي تجاهل الضغط الدولي المتزايد ضد الجرائم السعودية في اليمن، حيث بدأت بعض الدول في حظر بيع الأسلحة إلى الرياض، وفي هذه الأثناء فإن القضية الرئيسة هي عدم قدرة الرياض على إعادة ما تسميه الحكومة الشرعية إلى صنعاء، وهو الحلم الذي تآكل بالكامل بسبب الأحداث الأخيرة في عدن.
في هذه الظروف، يرى البعض أن زيارة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد إلى السعودية، والتي تركّز على التطورات في عدن، يمكن أن تشير إلى توافقات بين الرياض وأبو ظبي وراء الكواليس لتقسيم اليمن، ومن ثم البدء بعملية إنهاء الحرب مع أنصار الله.
على الرغم من أن هذا السيناريو يتضمّن أدلةً معقولةً وواقعيةً، إلا أن ما تم تجاهله فيه هو المصالح الحتمية للسعودية في منع تشكيل حكومة شمالية مستقلة بقيادة أنصار الله من جهة، بالإضافة إلى خسارتها الكاملة للنفوذ والمكانة في الجنوب مع صعود نجم الانفصاليين المقرّبين من الإمارات.
إيجاد بديل للإمارات وفتح جبهة جديدة في اليمن
الانتقال من سيناريو النهاية السريعة للحرب بعد مغادرة الإمارات للتحالف، يعزز محاولات الرياض في إيجاد قوات بديلة للإمارات ومواصلة دعم حكومة عبد ربه منصور هادي.
بعد سقوط القصر الرئاسي في عدن على أيدي انفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، قصفت طائرات سعودية مواقع الانفصاليين والقصر الرئاسي لإعلان معارضة الرياض للانقلاب الذي أشرفت عليه الإمارات.
في المقام الأول، وبعد الإعلان عن محاولات الإمارات للخروج من الحرب بسرعة، أرسلت أمريكا قواتها إلى السعودية بدفعات متعددة كمستشاريين، وفي واقع الأمر لأخذ زمام المبادرة على الأرض، وبطبيعة الحال، تعرف أمريكا جيداً أن أي انتصار لليمن في هذه الحرب سيعني بداية نهاية حكم آل سعود.
وفي الأيام الأخيرة أيضاً، زار وفد من السعودية بقيادة اللواء فهد بن تركي بن عبد العزيز، قائد التحالف ضد الإرهاب وقائد قوات التحالف العربي المشتركة في اليمن، إريتريا والتقى برئيسها "أسياس أفورقي"، وفي هذا السياق، أثار أحد نشطاء المعارضة الإريترية احتمالية أن يكون الهدف من هذه الزيارة هو أن السعودية تخطط لاستخدام قوات إريترية في تحالفها ضد اليمن بعد مغادرة الإمارات.
قبل هذا أيضاً كانت السعودية تسعى إلى زيادة علاقاتها مع إريتريا وإخراج هذا البلد عن العزلة الدولية (بما في ذلك من خلال الوساطة للتوصل إلى اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا بعد عشرين عامًا)، لإدراجها في "كيان الحكومات العربية والإفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر".
وترتبط عضوية إريتريا في هذا الكيان بمشكلة السعودية في حرب اليمن، والدور الذي يمكن أن تلعبه إريتريا كعضو في التحالف بدلاً من الإمارات.
في مثل هذه الظروف، من المحتمل بالنسبة إلى السعودية ومن أجل أن تمنع هزيمتها الكاملة في اليمن، وفي حال لم تمتثل الإمارات لمطلب انسحاب قواتها من عدن، من المحتمل أن تدعم جيش منصور هادي، وتفتح من خلال ذلك جبهةً أخرى ضد الانفصاليين المواليين للإمارات، وهذا يعني بطبيعة الحال تشديد الخلافات مع الإمارات، حيث يمكن اعتبار برودة استقبال ولي عهد الإمارات في مطار جدة علامةً على هذا الخلاف.
على الرغم من أن هذا السيناريو له أدلة وقرائن مختلفة، إلا أن هناك شكوكاً خطيرةً حول ما إذا كانت السعودية قادرةً ومستعدةً لفتح جبهة جديدة ضد الانفصاليين في الجنوب، وفي الواقع مواجهة حليفها الرئيس في سنوات الحرب اليمنية، أي الإمارات.
كما أن هذا النزاع يصبّ في مصلحة أنصار الله، ومن ناحية أخرى فمن الطبيعي أن يعارض المجتمع الدولي أيضاً تدخلاً سعودياً جديداً في اليمن يزيد من الفوضى في هذا البلد.
التخلي عن الجنوب واستمرار الحرب مع أنصار الله
في ظل هذه الظروف، يأتي سيناريو آخر إلى خانة الاحتمالات، وهو رضوخ السعودية للأمر الواقع في الجنوب من ناحية، مع التأكيد على ضرورة إجراء الحوار بين حكومة منصور هادي المستقيلة والانفصاليين في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، ومن ناحية أخرى استمرار الحصار والحرب ضد قوات أنصار الله من خلال إيجاد قوات سودانية وإريترية بديلة، وكذلك الاستعانة بالأمريكيين في صدّ خطر صواريخ أنصار الله وضربات الطائرات من دون طيار.
يبدو أن هذا السيناريو يتماشى بشكل أكبر مع سلوك قادة الرياض في الحرب وأيضاً مع مصالح الرياض الرئيسة في تطورات اليمن.
خلال زيارة ولي عهد أبوظبي إلى جدة، طالب السعوديون بإجراء محادثات في الرياض بين ممثلي حكومة هادي ومتمردي المجلس الانتقالي، وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي" يوم الأحد 20 أغسطس/آب إن الانفصاليين الجنوبيين ملتزمون بوقف إطلاق النار في عدن، وهم على استعداد للعمل مع التحالف بقيادة السعودية.
بعد تبادل هذه الرسائل، اعتبر المحلل اليمني أحمد الزرقة أن بيان التحالف ودعوة المجلس الانتقالي إلى الرياض لإجراء محادثات مع حكومة منصور هادي، اعتراف بالانقلاب وإضفاء الشرعية عليه من قبل السعودية.