الوقت- لم يجانب الصواب من نظر إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرئيس من خارج النظام.
الرئيس التاجر انتهج سياسة تختلف كثيراً عن أسلافه مشعلاً الجبهات على أكثر من صعيد، لم تكن منطقة الشرق الأوسط عن سياسات ترامب ببعيدة حيث يعمد إلى ممارسة سياسية "الحلب" مع بعض الدول الخليجية غير آبه برفع السقف عالياً ووضع منطقة الشرق الأوسط على حافّة الهاوية.
في المقابل، تتجه كل من موسكو وبكين لإعادة هيكلة المنطقة وبناء تحالف جديد لمواجهة التهديد الأمريكي المستمر وتوحيد التوجهات بشأن الملفات الإقليمية والقضايا الدولية الساخنة.
يواصل ترامب سياسته العدائية في الشرق الأوسط بدءاً من صفقة القرن التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، وليس انتهاءً بتأزيم العلاقة مع إيران.
وفي كلا الملفين يعمد ترامب إلى دعم الكيان الإسرائيلي، وكذلك سحب المزيد من المليارات من أموال الشعوب الخليجية.
لكن هذا الأسلوب أثار استياء الشعوب في المنطقة، لاسيّما أن الأخير لم يتوقف عن الإهانات ما دفع بالجانبين الروسي والصيني لتعزيز دوريهما في منطقة الشرق الأوسط التي تعدّ قلب العالم النابض من النفط والغاز.
التنسيق الروسي الصيني الذي يشمل العديد من الملفات الاستراتيجية كالسلاح والتجارة والمواقف السياسية، بدأ يسري اليوم على منطقة الشرق الأوسط حيث ضعفت واشنطن مقابل سطوع نجم محور المقاومة.
روسيا وأمريكا
لا يقتصر الخلاف الأمريكي الروسي على الأسلحة النووية والبالستية قصيرة المدى، كما أنه يتعدّى الأزمة الأوكرانية ليصل إلى العديد من الملفات الشرق أوسطية.
لا يختلف اثنان على كون الأزمة السورية الملف الأكثر اشتباكاً لدى الجانبين، وقد نجحت موسكو بالتعاون مع طهران في الحفاظ على معقلها في سوريا، وهزيمة المشروع الأمريكي.
في المقابل، تسعى روسيا اليوم لاستغلال صفقة القرن التي يروّج لها ترامب للدخول إلى ملف جديد في منطقة الشرق الأوسط، فقد اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن النهج الذي تتبعه واشنطن بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما في ذلك لقاء البحرين الدولي الأخير، غير بنّاء.
وقد علقت موسكو على ورشة البحرين قبل فترة بالقول: إن الخطة الاقتصادية، التي تمّت مناقشتها في "ورشة البحرين" والتي تتضمن استثمارات وإقامة مشاريع لمصلحة الفلسطينيين بقيمة 50 مليار دولار، خطوة غير بنّاءة، مشيرةً إلى أن الحل الذي تقترحه الإدارة الأمريكية لا يتضمّن إقامة دولتين، كما أنه لم ينصّ بشكل متعمّد عن إجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران 1967.
لم يتوقف التحوّل الروسي عند هذا الحدّ بل عمدت قبل أشهر إلى استضافة الفصائل الفلسطينية لعقد المصالحة، كما أنه قبل أيام قد توجّه وفد جديد من حركة حماس إلى موسكو التي كانت بعيدةً كل البعد عن هذا الملف طوال السنوات الماضية.
في اليمن لا يختلف الأمر كثيراً، وإن كانت روسيا لا تقف بوجه أمريكا، بل ترتبط بعلاقات لا بأس فيها مع السعوديّة، إلا أنها في الوقت عينه تنسّق مع حركة أنصار الله وتسعى لرعاية الحل السياسي.
العراق أيضاً كان أحد البوابات الجديدة التي طرقتها موسكو حيث عمدت إلى تعزيز علاقتها مع كل من بغداد وأربيل.
هنا لا ننسى التنسيق الروسي الإيراني في المنطقة حيث تعدّ طهران الحليف الأقوى لموسكو.
بكين وواشنطن
التوجّه الأمريكي دفع أيضاً بالجانب الصيني للتركيز على منطقة الشرق الأوسط بشقّيها السياسي والاقتصادي.
ورغم أن الجانب الصيني لا يمتلك أي قاعدة عسكرية كتلك التي يمتلكها الجانب الروسي، إلا أن تدحرج الأمور قد يدفع بالتنين الصيني لإعادة حساباته العسكرية في منطقة الشرق الأوسط تماماً كما فعل اليوم في حساباته الاقتصاديّة.
إذ يعدّ نفوذ الصين المتنامي في دول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، من أكثر الاتجاهات المهمة في المنطقة، رغم ضعف تناولها إعلامياً.
اقتصر التعاون الصيني مع الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية على أولويتين فقط: بيع الأسلحة للزبائن الإقليميين، وشراء الطاقة لدفع عجلة الاقتصاد الاقتصادي الصيني، لكن سياسات ترامب عزّزت من التوجه الصيني في بناء علاقات سياسية واقتصادية أكبر من السابق مع منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أن خط "الحزام والطريق" يلعب دوراً في هذا التوجّه لكن في الوقت عينه فإن تغير المناخ الدولي دفع ببكين لإيلاء هذه المنطقة أهمية أكبر من السابق.
الرئيس الصيني شي جينبينغ قام بسلسلة زيارات إلى دول المنطقة شملت كلّاً من إيران والسعودية ومصر والإمارات، إضافةً إلى استقباله رؤساء هذه الدول، وكذلك الرئيس التركي أردوغان.
اقتصاديّاً، تعزيز التعاون التجاري مع منطقة الشرق الأوسط بأضعاف مضاعفة، كما أن بكين قد تعهّدت في اجتماع الصيف الماضي لمنتدى التعاون بين الصيني ـ العربي بتقديم 23 مليار دولار كقروض ومساعدات تنموية للمنطقة، كذلك تنخرط الصين حالياً في العديد من مشاريع البناء والبنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة، من "مدينة الحرير" المخطط لها في الكويت إلى ميناء الدقم العماني.
ورغم خلو المنطقة من أي قاعدة عسكرية صينية، لكن تحرّكاتها قد زادت في الآونة الأخيرة لاسيّما بعد أن افتتحت في العام 2015أول قاعدة عسكرية إقليمية لها في جيبوتي، لتعمل بعدها على توسيع وجودها العسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التحرّكات الصينية في منطقة الشرق الأوسط أثارت خشية أمريكية حيث حذّر البنتاغون في تقريره السنوي الأخير من القوة العسكرية للصين، وأن جمهورية الصين الشعبية يمكن أن تستثمر المبادرات قريباً لإنشاء قواعد عسكرية في جميع أنحاء المنطقة.
في الخلاصة، إن سياسة ترامب العدائية دفعت بالدب الروسي والتنين الصيني للتحرك بخطوات أكبر نحو منطقة الشرق الأوسط حيث بدأ الحضور الأمريكي يتصدّع في سوريا والعراق.