الوقت- فيما يشهد العراق حركة احتجاجات شعبية للمطالبة باصلاحات ومكافحة الفساد يكبر القلق من امكانية استغلال هذه المطالبات الشعبية من قبل بعض الاطراف الداخلية والخارجية لتحقيق مكاسب سياسية تضر بالشعب العراقي، ومن اجل التصدي لهذا الاستغلال يعتقد المراقبون انه ينبغي على فئات الشعب العراقي ان تسير خلف الدعوات التي صدرت عن المرجعية الدينية العليا في العراق من اجل مكافحة الفساد وتحسين عملية تقديم الخدمات للشعب كما ينبغي على هذه الفئات ان تدعم حكومة حيدر العبادي في مساعيها الاصلاحية لكي تتحول الازمة الحالية الموجودة في العراق الى فرصة مناسبة لتعزيز الوئام بين التيارات السياسية والانسجام مع المرجعية الدينية ومحاربة الجماعات الارهابية بشکل أقوى.
ويشهد العراق حاليا احتجاجات يطالب المشاركون فيها بتحسين الخدمات الاساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب والسكن والخدمات الطبية وغيرها حيث يعتقد المراقبون ان مجموعة الخدمات التي قدمت للشعب العراقي خلال الفترة الماضية لم تكن مرضية، وتعتبر هذه المطالب الشعبية محقة وقد اكدت عليها المرجعية الدينية مرارا وفي هذا السياق طرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خطته الاصلاحية التي تحتاج الى الموافقة النهائية من قبل البرلمان.
وتشمل الاجراءات التي يريد العبادي تنفيذها اخراج المواقع العليا في البلاد من المحاصصات السياسية والطائفية بحيث تتم على اساس النزاهة والكفاءة، كما تشمل انجاز عملية دمج وحذف لبعض الوزارات والهيئات وتحديد مستشاري الرئاسات الثلاث بخمسة لكل منها .
ومن ضمن القرارات الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء بشكل فوري، وفي محور الاصلاح المالي تقرر خفض الحد الاعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين ومعالجة القرارات الخاطئة التي اتخذت سابقا في هذا الاطار .
وفي محور الخدمات شملت الخطة اتخاذ الاجراءات اللازمة لحسم مشاكل الكهرباء خلال اسبوعين، اما ضمن محور مكافحة الفساد فقد تقرر تفعيل دور مجلس مكافحة الفساد واطلاق حملة "من أين لك هذا" بالتعاون مع القضاء اضافة الى تفعيل دور هيئة النزاهة الوطنية ووضع سقف زمني لحسم قضايا الرقابة وكشف الفساد والاعلان عنها طبقا للقانون .
وفيما يمكن اعتبار هذه الاصلاحات المقترحة بأنها اصلاحات اساسية ينبغي عدم التساهل معها، يجب ايضا من جهة اخرى قطع الطريق امام تدخلات الدول والجهات الخارجية والدول الرجعية العربية التي تتدخل باستمرار في الشأن الداخلي العراقي، وقد رأى العراقيون كيف قام اياد علاوي المحسوب على السعودية وامريكا بتحديد مهلة 3 أيام للحكومة العراقية لتنفيذ الاصلاحات وهذا يدل على أن هؤلاء جاهزون لركوب الموجة وبلوغ اهدافهم بأي ثمن وانهم حتى بدأوا يتحدثون عن انتخابات مبكرة في العراق ويروجون لعدم أهلية حكومة العبادي ويتهمونها بعدم الجدية في تنفيذ الاصلاحات والقيام بخطوات دعائية واستعراضية.
ان العراق يمر الآن بمرحلة خطيرة فهو يواجه من جهة الارهاب والتكفير ومن جهة اخرى الصراعات السياسية وهذا يمكن ان يتسبب بتشتيت الانتباه في هذه المعركة الصعبة والعدول عن التفرغ لمحاربة الارهاب نحو القضايا الهامشية والصراعات السياسية الفئوية وهذا ما يمهد لقيام داعش باحتلال اجزاء أخرى من هذا البلد.
ان اجتياز هذه المرحلة الصعبة في العراق يتطلب يقظة القادة السياسيين العراقيين والشعب العراقي وقد استطاع العراقيون في الماضي اجتياز مثل هذه المراحل الصعبة بفضل وجود المرجعية الدينية العليا التي تعتبر صمام أمان للعراق ولذلك يجب ان يكون العراقيون كلهم يقظين امام تدخلات الدول الاخرى التي سعت دوما الى ضرب الاستقرار السياسي والامني في العراق.
ان الاهتمام بالنداء الذي وجهه مؤخرا نوري المالكي وتحذيره من استغلال الاحتجاجات الشعبية المطلبية وخطورة خروج هذه الاحتجاجات من اطار المطالبات واستغلالها من قبل جهات مشبوهة يعتبر الآن امرا ضروريا حيث ان هناك احتمالاً بأن يسعى البعض الى استغلال هذه المطالبات الشعبية لاسقاط حكومة حيدر العبادي وهذا ما يحقق مصالح ضامري السوء للعراق ومنهم السعودية وحلفائها.
ان اجتياز المرحلة الصعبة الحالية هو امر ممكن اذا توفر الوئام والانسجام بين مختلف التيارات السياسية كما يجب على الحكومة العراقية ان تتجنب اتخاذ أية قرارات وخطوات متسرعة لتنفيذ الاصلاحات والتي يمكن ان تؤدي الى تشديد الخلافات السياسية وذلك من أجل تفويت الفرصة على المتربصين بالعراق والذين يريدون اسقاط الحكومة والإتيان بحكم ينسجم مع اهدافهم الخبيثة.