الوقت- تتوالى معارك طرابلس فصولاً وسط تحذيرات من حرب أهلية بين الشرق والغرب حال استمرار هجوم حفتر.
المعركة التي يسعى من خلالها الجنرال خليفة حفتر للوصول إلى السلطة في خطوة تتشابه مع ما قام به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان وزيراً للدفاع ثم أطاح بحكومة إسلامية منتخبة عام 2013، وفق صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية.
حفتر ليس وحيداً أبداً، بل يحصل على دعم إقليمي ودولي.
دولياً، يحظى الجنرال حفتر بضوء أخضر فرنسي، إضافةً إلى الاستشارات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية التي تقدّمها باريس (أرسلت فرنسا في العام 2016 قوات خاصة لمحاربة الإسلاميين في مدينة بنغازي إلى جانب قوات حفتر)، كذلك، يحظى حفتر بدعم روسيا التي تطبع الدينار الليبي لاستخدامه في منطقة الشرق الخاضعة للجنرال.
إقليمياً، يحظى حفتر بدعم 3 دول تجتمع في عدائها للحركات الإسلاميّة، مصر هي أبرز الدول الداعمة للجنرال حفتر وتشكّل القاعدة اللوجستية الضخمة له "في معركته الأخيرة من أجل السلطة في ليبيا"، وفق الصحيفة البريطانيّة نفسها.
كذلك يحظى الرجل الذي يقدّم نفسه على أنه معارض شرس للإسلاميين بدعم كل من السعودية والإمارات اللتين ثبت تورطهما في المعركة الأخيرة، فقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السعودية وعدت الجنرال خليفة حفتر بملايين الدولارات لتمويل عمليته ضد العاصمة طرابلس، التي جاءت قبل أيام من المحاولات الدولية لتوحيد البلاد.
وقد نقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين، قولهم إن هذا العرض جاء في أثناء زيارة الجنرال إلى السعودية، التي كانت من بين اللقاءات التي أجراها حفتر مع مسؤولين أجانب في الأسابيع التي سبقت العملية التي أعلن عنها في 4 نيسان.
كذلك قدمت كل من الإمارات ومصر غطاء جوياً لحفتر، بحسب لجنة في الأمم، وقد تحدّثت تقارير إعلاميّة أيضاً عن قدوم ضباط إماراتيين إلى ليبيا لتقديم المساعدة الميدانية والعسكرية لقوات الجنرال المتقاعد حفتر التي تهاجم العاصمة طرابلس في عملية.
اليوم، تتواصل المعارك التي يدفع الشعب الليبي تكاليف دمائها في حين تتعهد الدول العربية النفطية بدفع تكاليفها المالية والتشغيلية للجنرال حفتر، في حين أصدر مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني في إطلالة إعلامية له من تركيا، فتوى بقتال قوات حفتر وسفك دمائهم، وبين الشعارات الإعلاميّة في إنهاء المعركة وصعوبتها على الأرض لاسيّما حال تدخّل قوات مصراته، تستدعي المعارك الجديدة التي تشهدها الساحة الليبية الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: لا بدّ من التأكيد وللمرّة الألف على أن أمريكا هي المسؤول الأول والأخير عما تشهده الساحة الليبية، واشنطن التي تدخّلت عبر بوابة الناتو هي المسؤولة عن الدماء التي تسقط، والأموال التي تنهب، والنفط الذي يتبخّر، وكذلك غياب الأمن الاستقرار من هذا البلد.
ثانياً: إن هذه المعركة التي أتت خلال مشاركة حفتر في مفاوضات السلام مع الأمم المتحدة، تحمّله هو ومن يدعمه وزر الدماء التي تسقط في المعركة، فقد شرّد القتال حتى كتابة هذه السطور أكثر من 6 آلاف شخص، وقتل 58 شخصاً على الأقل، وجرح 275 شخصاً آخرين.
يقول الخبير في شؤون ليبيا في المعهد الألماني لشؤون الأمن الدولي ولفرام لاتشر: "لم يكن حفتر قادراً على أداء الدور الذي يؤديه اليوم دون دعم أجنبي.. شهدت الأشهر القليلة الماضية ركوب الجميع في قطار حفتر".
يضيف الباحث في الشؤون الليبية لصحيفة "وول ستريت جورنال": "حفتر لا يريد أن يكون جزءاً من الحل، لكنه يريد أن يكون هو الحل"، وخير إشارة على ذلك هو إعلان الجنرال حفتر عن العملية في اليوم الذي كان فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش في طرابلس للتحضير لمؤتمر المصالحة الوطنية المقرر عقده في 14 نيسان الحالي.
ثالثاً: لا تتوقف بعض الدول العربية عن طموحاتها السياسية ولو كانت على حساب دماء العرب أنفسهم، فقد كرّرت بعض الدول تجاربها في سوريا والعراق واليمن، أملاً بالسيطرة على القرار السياسي لهذا البلد الغني بموارده الطبيعية.
هذا التدخل أثار حفيظة الداخل الليبي ليخرج الآلاف في تظاهرة في العاصمة الليبية طرابلس، ومدينة مصراتة شرقها، استجابة لدعوات "حراك مدنيين ضد الانقلاب".
وقد ردّد المتظاهرون شعارات رافضة ومنددة بالدور الإماراتي والسعودي والفرنسي الداعم لعمليات حفتر العسكرية، مطالبين برحيل هذه القوات.
وتأتي هذه المظاهرات بعد كلام سابق للرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي الذي أكّد أن هناك جهات خارجية "تعلن الحرب على الشعب الليبي".
يضيف السويحلي: السعوديّة انضمت لمشروع حفتر أما الإمارات "فهي الحربة الأولى في دعم حفتر، واستغرب من إعلان أبو ظبي "الحرب على الليبيين رغم أنه تفصلنا آلاف الأميال، ولم نسع يوماً للإضرار بنظامهم".
يبدو واضحاً أن هناك محاولات سعوديّة إماراتية لاستعادة نفوذهما في ليبيا، بعد أن أسقطته صناديق الاقتراع، وقد وجدوا في حفتر "الجنرال ذو البندقية" ضالتهم، لكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: إلى متى سيدفع الشعب الليبي تكاليف طموحات ابن زايد وابن سلمان؟ وهل ستواصل الأطراف الخارجيّة العبث بدماء الشعب الليبي؟.