الوقت- تواصل الجهات الإيرانيّة المختصّة مساعدة المتضرّرين من السيول التي ضربت البلاد خلال الأسابيع الماضيّة، وبعد تساقط أمطار غزيرة هي الأقوى منذ 50 عاماً، لدرجة أن الأمطار التي سقطت خلال 48 ساعة فقط في بعض المناطق بلغت المستوى نفسه للأمطار في المنطقة ذاتها خلال عام كامل من السنوات السابقة، اجتاحت السيول حوالي 400 مدينة وقرية في 15 محافظة في البلاد لتحصد أرواح حوالي 40 مواطناً إيرانياً.
بدا لافتاً الحركة النشطة للجيش والحرس والحكومة، وكذلك مؤسسات الإغاثة من الهلال الأحمر، واللجنة التنفيذية لأوامر الإمام (الخميني) وغيرها من المؤسسات الاجتماعية.
لم تقتصر حملات المساعدة على هؤلاء، بل بدا واضحاً التكافل الاجتماعي سواء لناحية استضافة المتضررين، أم جمع التبرعات الشعبيّة، أم توجّه الشباب الجامعي إلى مناطق السيول للقيام بالواجب الإنساني.
الكثير من الدول تعاطفت مع إيران، ومنها من بدأ بإرسال المساعدات للمتضررين، ولكن ما بدا لافتاً كلام وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو حول الفيضانات، وتحميله إيران مسؤولية ارتفاع مستوى الخسائر.
لم تقتصر المناورة السياسيّة لبومبيو على محاولة تضعيف إيران وتحميلها المسؤولية، بل عمد وفي خطوة "مضحكة" إلى عرض خدمات واشنطن وأن بلاده جاهزة للمساعدة ودعم الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي بإمكانه إيصال الأموال إلى جمعية الهلال الأحمر الإيرانية.
إن كلام بومبيو في مثل هذه الظروف يستدعي التوقّف مليّاً، سواء لناحية تحميل إيران المسؤوليّة عن حجم الخسائر، أم لناحيّة عرض المساعدة "الإنسانيّة"، ولاسيّما أن الأموال المحتجزة لإيران تقدّر بمليارات الدولارات.
نبدأ بالشقّ الإنساني كونه الأكثر أهمية، قبل كلام بومبيو، قال وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف إن العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من السيول.
وقد أوضح ظريف حينها في تغريدة له أن الهلال الأحمر الإيراني واجه صعوبات في إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من السيول، موضحاً أن أمريكا فرضت حظر بيع المروحيات التي تستخدم في إيصال المساعدات، وهذا مثال على عرقلة وصول المساعدات إلى مناطق السيول، وما تقوم به أمريكا ليست مجرد حرب اقتصادية، بل إرهاب اقتصادي".
بعد كلام بومبيو عاد الدكتور ظريف للتغريد قائلاً إنه وفقاً لتصريحات رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر، فإن جمعية الهلال الأحمر الإيرانية غير قادرة على تسلم أي مبالغ مالية جراء الحظر الأمريكي الجائر، أي إقفال الحسابات البنكية للهلال الأحمر، الأمر الذي ينفي ادعاءات بومبيو التي تدخل في إطار الحرب الناعمة لا أكثر.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الهلال الأحمر الإيراني قد شارك في العديد من الأعمال الإنسانية في الكثير من دول الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، كما يرتبط بتنسيق عالي المستوى مع الصليب الأحمر الدولي، فإذا كانت الإدارة الأمريكي حريصة على "الأعمال الإنسانيّة" لماذا تعرقل عمل هذه المؤسسة؟ وهل الأعمال الإنسانيّة الإيرانية إرهاب بنظر واشنطن؟
وأما بالنسبة للشقّ الأول، فهل التقصير هو من إيران حقيقة، أم إن هذا الحجم من الأمطار كفيل بهذه النتائج في أيّ دولة من دول العالم؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أن الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية قد شهدت خلال العقود الثلاث الماضية طفرة سدود، وصل عددها إلى حوالي 180 سداً من الحجم الكبير، الأمر الذي حدّ من النتائج الكارثية لهذا الحجم من الأمطار، فلو لم تكن هذه السدود موجودة، لكان عدد الضحايا بالمئات وربّما الآلاف.
فيما يتعلّق بالسؤال المطروح أعلاه نستعرض حجم الخسائر التي تسببت فيها السيول في بعض الدول (لن نشير إلى دول كأندونسيا وغيرها التي يقدّر فيها عدد الضحايا بالآلاف).
في اليابان، تسبّبت الأمطار التي هطلت بغزارة غير مسبوقة منذ 30 عاماً قبل أشهر (تموز/يوليو 2018) بكارثة في جنوب البلاد حصدت أرواح أكثر من 200 شخص (في إيران 42 شخصاً)، فهل حمّل بومبيو الحكومة اليابانية المسؤولية؟ هنا تجدر الإشارة إلى الأمطار الغزيرة في إيران غير مسبوقة منذ 50 عاماً، وليس 30 عاماً كما اليابان. ماذا عن أمريكا؟
بصرف النظر عن إعصار كاترينا في العام 2005 والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1800 مواطن أمريكي، فإن الحرائق التي عصفت بالغابات شمال ولاية كالفورنيا الأمريكية قبل أشهر (نوفمبر 2018) تسبّبت بمقتل أكثر من 100 شخص (98 مواطناً و8 من رجال الإطفاء)، فضلاً عن أكثر من 1000 مفقود، كما أن السيول المحدودة التي ضربت الشهر الماضي ولايتين تسبّبت بمقتل حوالي 10 أشخاص موزعة على ثلاثة مناطق ( 4 و 3 و2).
في واشنطن، تسبب فيضان أحد الأنهار بمقتل هذا العدد، في حين أن عدد الضحايا في إيران بلغ 42 في 15 محافظة (بمعدّل أقل من 3 في المحافظة الواحدة).
بطبيعة الحال، لم يحمّل بومبيو حكومة بلاده المسؤولية عن هذا العدد من الضحايا في بلاده.
في الخلاصة، يبدو جليّاً أن ما تمارسه واشنطن بحقّ إيران هو إرهاب جماعي بحقّ شعب بأكمله، وليس خلافاً سياسيّاً مع النظام، لكن إيران ورغم العقوبات الأمريكية ستتجاوز أزمة السيول خلال الأيام القادمة، وبقدراتها الذاتيّة، الحكوميّة والشعبيّة.
وأما بالنسبة لتصريحات بومبيو فعلى الجميع أن يدرك أن هذا الرجل ما زال يخلط بين عمله السابق في الاستخبارات الأمريكية، وعمله الحالي في وزارة الخارجيّة، ولكن ما يغفل عنه بومبيو هو أن ترامب المتهوّر صاحب دبلوماسيّة التويتر لم يترك له أي هامش للمناورة، سواء السياسيّة منها أم الأمنيّة.