الوقت- على وقع التغيّرات الحاسمة التي شهدتها الساحتان السورية والعراقية خلال العامين الماضيين، وفي ظل الغموض السياسي الذي تعيشه بريطانيا داخل البريكست أو خارجه، وفي حين يسعى جيرمي كوربن رئيس حزب العمل للوصول إلى رئاسة الوزراء، أعلنت بريطانيا أمس الاثنين أنها تعتزم حظر كل أجنحة "حزب الله" اللبناني بسبب "تأثيرها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط"، ووصفته بأنه "منظمة إرهابية".
تدرك الحكومة البريطانيّة جيّداً أن هذا الحزب الذي تريد تصنيفه إرهابياً يمثّل شريحة شعبية واسعة لا يمكن تجاهلها، ومشاركته في حكومة تربطها علاقات قوية مع الحكومة البريطانيّة، كذلك، تدرك الـMI6 جيداً أنه هو الحزب نفسه الذي تربطه علاقات قويّة مع الجيش اللبناني الذي تعمل بريطانيا على تدريبه، فما هذه الازدواجيّة؟.
يأتي القرار الجديد المقدّم من قبل وزير الداخلية ساجد جاويد، وسط انقسام واضح بين حزب المحافظين الذي يؤيّد المشروع وبعض نواب حزب العمال الذين طالبوا الحكومة بتبرير حظر "حزب الله" بالكامل، حيث قال المتحدث باسم حزب العمال "على وزير الداخلية أن يظهر بالتالي أن هذا القرار اتخذ بشكل موضوعي وحيادي، وبناء على أدلة واضحة وجديدة، وليس بسبب طموحه في الوصول للقيادة"، باعتبار أن الوزير جاويد يسعى بشكل واضح للوصول إلى رئاسة الوزراء على حساب تيريزا ماي التي تواجه صعوبات في الحكومة وداخل حزب المحافظين الحاكم.
ويحمل القرار الذي يحتاج إلى مصادقة مجلس العموم البريطاني، رسائل على أكثر من صعيد، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، يمكن اختصارها في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: على الصعيد الداخلي، وفي حين يسعى مقدّم المشروع إلى استرضاء الناخبين اليهود، هناك مواجهة حادّة تخوضها الأحزاب البريطانية ضد رئيس حزب العمال جيرمي كوربن، وقد تجنّد الكيان الإسرائيلي للمشاركة في حملة التحريض ضد كوربين واتهامه بمعاداة الساميّة، هناك خشية إسرائيلية واضحة من وصول كوربين إلى منصب رئاسة الوزراء، لاسيّما في ظل فشل الطاقم الحالي، لاسيّما أنّه أحد أشد المنتقدين للكيان الإسرائيلي، فضلاً عن وصفه لحزب الله بالأصدقاء.
هناك تيار بريطاني داخلي يهدف لتصفية كوربين سياسياً، بعيداً عن المصلحة الإسرائيلية، وقد وجد في هذه الخطوة فخّاً لكوربين. بعد هذا القرار لا يمكن لكوربين اتخاذ أي إجراءات تسعى لنقل الصورة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، لأنها ستفسّر على أنّها دعم لحزب الله.
من الأمور التي تعمد المؤسسة اليهودية في بريطانيا وأجهزة الدعاية الإسرائيلية على ترويجه تجاه كوربين: هو أنه شخص لاسامي، حزب العمال لاسامي، الحياة اليهودية في بريطانيا في "خطر وجودي".
ثانياً: لا تنفصل الخطوة البريطانيّة المرتقبة عن السياسة الأمريكية في محاربة وحصار حزب الله، عندما تشتد خطوات الغرب العدائية تجاه أي حزب أو تيار معيّن، فهو نتيجة تعزيز قدرات هذا الحزب.
اليوم، حزب الله وبعد أن أفشل إلى جانب حلفائه المشاريع الأمريكية الغربية، بات هدفاً بمستوى ما فوق إقليمي بعد أن كان قبل الأزمة السورية، لاعباً أبعد من لبناني وما دون إقليمي، ما يعزّز هذا الأمر هو ما ذكرته الحكومة البريطانية في توضيحها لقرارها، مشيرةً إلى أن حزب الله يواصل حشد الأسلحة في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي، في حين تسبب دعمه للرئيس السوري بشار الأسد في إطالة أمد "الصراع والقمع الوحشي والعنيف من جانب النظام للشعب السوري"، وفق تعبيرها.
ثالثاً: هناك أهداف بريطانية ترتبط بالعلاقة مع السعوديّة التي صنّفت حزب الله منظّمة إرهابيّة، تهدف الحكومة البريطانية التي لم تلتزم بوقف بيع الأسلحة للسعودية رغم تحذير المنظمات الحقوقية، لإبرام المزيد من الصفقات العسكرية التي تقدّر بمليارات الدولارات مع السعوديّة، هذه الخطوة ستشكّل حافزاً سعودياً لإبرام المزيد من الصفقات مع بريطانيا.
رابعاً: إن الجناح العسكري للحزب مصنّف على أنه إرهابي لدى بريطانيا، وبالتالي إن الخطوة الأخيرة ليست سوى فقاعة إعلاميّة تهدف لمنع أي تعاطف يحصل تجاه الحزب، لكنها في الحقيقة لن تؤثر على أرض الواقع بشيء يذكر.
لقد حظرت لندن وحدة الأمن الخارجي للحزب وجناحه العسكري في عامي 2001 و2008 على الترتيب، واليوم تحظر جناحه السياسي.
خامساً: إن المحاولات البريطانيّة للحديث عن حظر حزب الله بالتزامن مع الحديث عن حظر لندن لـ"أنصار الإسلام" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، تهدف لخلط الأوراق وتضييع البوصلة في الداخل البريطاني.
أبسط مثال على ذلك هو ما قاله أحد النواب بأن "حزب الله يعتدي على اللاجئين المسيحيين في لبنان"!، ما دفع بالسفارة اللبنانية للبعث برسالة إلى المجلس جاء فيها: "حزب الله لم يسبق أن استهدف مواطنين بريطانيين أو الأراضي البريطانية، ما يعزز الاعتبار السياسي في آلية اتخاذ قرار الإدراج على لوائح الإرهاب، والتي يفترض أن تكون آلية موضوعية ومستندة إلى وقائع، وليس إلى قرار اعتباطي سياسي لا يخدم لبنان ولا بريطانيا".
في الخلاصة.. يدرك النواب البريطانيون أنفسهم أن آلية اتخاذ القرار سياسيّة بامتياز، وتدخل في إطار المواجهة الداخلية ضد "حزب العمال" من جهة، والمحاولات الخارجيّة لاسترضاء أمريكا، والكيان الإسرائيلي والسعوديّة من جهة أخرى.