الوقت- تعيش قطر فوبيا صغر مساحتها وقلة عدد سكانها الاصليين خوفا على كيانها ووجودها. وسط مجموعة من الدول الكبيرة من حيث المساحة وعدد السكان والمؤثرة اقليميا ودوليا. ورغم ذلك تحاول لعب أدوار كبيرة في المنطقة مستغلة ثروتها من النفط الخام والغاز الطبيعي لايجاد نفوذ لها وسط العالم الاسلامي والعربي. وفي سبيل ذلك تحاول نسج علاقات دبلوماسية قوية مع الدول الكبرى وعلى رأسها امريكا مستفيدة من سلاح البترودولار وعبر صفقات تسلح تناهز بقيمتها موازنات دول كثيرة حول العالم قد لا تكون قطر بحجم اصغر مدنها حتى.
وفي نفس السياق وخلال السنوات الاخيرة الماضية ظهر التناغم الكبير بين قطر والاخوان المسلمين حول العالم. حيث اخذت قطر على عاتقها دعم وتعويم حركة الاخوان في كافة الدول العربية وذلك في خضم ثورات الربيع العربي (المزعوم) والتي لعبت قطر وبالاستفادة من إعلامها القوي نسبيا (قناة الجزيرة) دورا اساسيا في توجيهه، حيث استطاعت التحكم بنبض الشوارع العربية المتعطشة للحرية واسقاط الانظمة الفاسدة، عبر سياسة اعلامية موجهة خدمة لمصالحها وبالتنسيق مع حلفائها الاساسيين في امريكا. وبالفعل استطاعت تعويم حلفائها من الاخوان المسلمين في كل من مصر وتونس، وكذلك وفي بدايات الأزمة السورية اقنعت حركة حماس (القريبة من فكر الاخوان فلسطينيا) بترك دمشق ونقل مكاتبها الى الدوحة.
ووفقا لتحليلات صادرة عن مراكز دراسات تؤكد التقارير أن تلك المرحلة كانت المرحلة الذهبية للاخوان حيث كان هناك ما يشبه الاتفاق الضمني بينهم وبين الامريكيين وبالتنسيق مع الحلفاء الاهم لهم في المنطقة (قطر عربيا وتركيا اسلاميا) لتسليمهم زمام الحكم مقابل التزامهم بأمن الکيان الإسرائيلي وعدم تغيير استراتيجيات بلادهم المرتبطة بشكل كامل بالقرار الامريكي. والهدف الامريكي من ذلك هو مصادرة جوهر الثورات العربية وخداع الشعوب الثائرة. وفي نفس السياق اتى انتقال حركة حماس من دمشق الى الدوحة في سعي لاضعاف الحركة المقاومة وانتزاعها من محور المقاومة ومن الحضن الايراني – السوري. ولكن ولأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا فشل الاخوان ومن وراءهم قطر وتركيا في قطف ثمار الاتفاق مع الامريكيين. ولم تستمر انجازاتهم لفترة طويلة حتى بدأت الانتكاسات وخاصة في مصر بعد عزل مرسي والتي كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير الاخواني. وفي سياق آخر دخلت السعودية على خط المواجهة المباشرة وقررت تقليم اظافر قطر والاخوان في الدول الخليجية والدول العربية الأخرى وبالفعل نجحت الى حد كبير في كبح الاندفاعة القطرية - الاخوانية طبعا بمباركة وتأييد امريكيين.
أمام هذا الواقع والفوبيا القديمة المتجددة لدى قطر يلاحظ المتابع للشأن القطري أن الاخيرة لم تغير نهجها في السعي الى ايجاد نفوذ لها لدى كافة الاطراف. ومنها حماس، التي تسيطر على قطاع غزة والتي لا تزال قطر تضع ثقلها فيه وبكافة الاشكال من الدعم الاقتصادي والمادي. وهنا عرض لمختلف أوجه وأبعاد التأثير والتدخل القطري في غزة.
فبعد انتقال حماس من دمشق الى الدوحة باتت قطر لاعبا اساسيا على الساحة الغزية. وقد ترك هذا النفوذ تأثيرا كبيرا على مواقف حركة حماس التي تسعى لتتماشى مع مضيفتها في كافة الملفات ومنها العلاقة مع مصر التي تحسنت اثناء رئاسة مرسي لتعيش اسوأ ظروفها الان بالتزامن مع سوء في العلاقات المصرية القطرية التي تشهد توترا واضحا يمكن لمشاهد قناة الجزيرة والمتابع لتصريحات الطرفين المصري والقطري ملاحظته بشكل لا لبس فيه. وتأكيدا على ما ذكرناه من سعي قطري لاضعاف حركة حماس كمقاومة، سعت الاخيرة الى وساطة بين الکيان الاسرائيلي والحركة لاقرار هدنة طويلة الامد مقابل تقديمات قطرية لحماس على صعيد اعادة اعمار غزة بالاضافة الى مساعدات مالية للحركة.
ولا تزال فصول هذا الدعم تتوالى وليس خبر استقدام 170 استاذا من قطاع غزة للعمل في قطر ومشاريع الاعمار القطري في غزة الا استمرارا لنفس الاستراتيجية القطرية - الامريكية التي لم تأل جهدا في اضعاف حركات المقاومة ضد الکيان الاسرائيلي. كما ولا تزال الى اليوم حركة حماس تتخذ من قطر مقرا لها مما يجبرها على التماهي مع سياسة قطر الى درجة أعلنت الاخيرة وعلى لسان رئيس مجلسها السياسي خالد مشعل في وقت سابق وقوف الحركة الى جانب المعارضة السورية المسلحة ضد النظام الذي حماها في أشد سنوات الضعف الحمساوي. وفي ظل ما ورد من معلومات ومعطيات يمكن القول إنه من السذاجة بمكان القول ان اهداف الدعم القطري لغزة انسانية بحتة. بل ان كل خطوة تقوم بها قطر انما هي في نفس السياق الهادف لتعزيز نفوذها في القطاع اضعافا لقوة المقاومة وجذوتها خدمة للکيان الاسرائيلي، الذي تؤكد المعلومات أن هناك تنسيقا امنيا مباشرا بينه وبين قطر.