الوقت- تبلغ واردات الصين النفطية من أمريكا 334 ألف برميل في اليوم، وبهذا الرقم تعتبر بكين ثاني أكبر مستهلك للنفط من أمريكا، بالإضافة إلى ذلك، تستورد الصين ما يقارب 1.2 مليون برميل من النفط من روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية يومياً، وتقدّمت الصين على أمريكا كأكبر مستورد للنفط الخام في العالم في نيسان، وذلك للمرّة الأولى، ومن المتوقع أن تظل مشتريات الصين قوية رغم تباطؤ الاقتصاد، ما سيكون له تأثير بعيد المدى على أسواق النفط والسلع الأولية العالمية، وأمام هذه الوقائع وفي ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن من المتوقع أن توقف الصين وارداتها من النفط الأمريكي، وبالتالي استبداله بأحد الأطراف الأخرى، فمن سيكون هذا الطرف؟
رسائل وعواقب حرب تجارة النفط بين الصين وأمريكا
يوماً بعد يوم، تزداد الحرب التجارية بين أمريكا والصين احتداماً، حرب سيكون الخاسر الأكبر فيها واشنطن ولاسيما أن القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية ستؤدي إلى حدوث اضطرابات في الأسواق، وانخفاض معدلات النمو والاستثمار، ولن تحلّ المشكلات التي تعاني منها أمريكا، ومن الأسواق التي من الممكن أن تتعرض للضرر هي سوق النفط الأمريكية، خاصة في حال قررت الصين خفض وارداتها من الخام الأمريكية، ما يشير في المقام الأول إلى تصاعد الحرب التجارية بين الطرفين، كما أنه يشير أيضاً إلى أن بكين لن تستسلم للضغوط الأمريكية بل على العكس تماماً سوف تقبل التحدي من أجل الدفاع عن عملتها الوطنية اليوان مقابل الدولار ومن أجل حماية مشاريعها الاستراتيجية كمشروع الطريق والحرير أو استراتيجية الصين لعام 2025.
وقد أثار نهج أمريكا في عام 2018 الذي يحمل شعار أمريكا أولاً الحروب التجارية مع العديد من البلدان من أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى وأوروبا وآسيا، ولقد أدت هذه الاستراتيجية إلى ردود أفعال من قبل مختلف الدول التي تعرضت للضغوط الاقتصادية الأمريكية وخاصة الصين، حيث قام الطرفان بفرض رسوم جمركية بمئات مليارات الدولارات على السلع المستوردة من البلدين إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد بل إن أخطر وأحدث التدابير المضادة التي اتخذتها الصين هي وضع تعريفة بنسبة 10٪ على واردات الغاز الطبيعي المسال من أمريكا.
في عام 2016 بدأت صادرات النفط الخام من أمريكا إلى الصين وذلك بعد إزالة قيود تصدير النفط في البلاد، وخلال الأشهر القليلة الماضية، بلغت واردات الصين من النفط الأمريكي أكثر من 500 ألف برميل يومياً، لكنها انخفضت فيما بعد إلى 334 ألف برميل يومياً، وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يعتبرون قرار الصين مؤقتاً، إلا أن انسحابها من السوق الأمريكية له آثار كبيرة على كل من البلدين والدول النفطية الأخرى، وقبل انسحاب الصين التدريجي من السوق الأمريكية قامت الصين بالتوجه نحو غرب إفريقيا، حيث قامت بشراء 1.71 مليون برميل يومياً من النفط ومن المقرر تسليمها في أكتوبر، ويحمل انتقال الصين من أمريكا إلى غرب إفريقيا رسالتين مهمتين وهما:
أولاً- إن ترامب وبسبب سياسته الإتجارية أو المركنتيلية ازدادت وحدته، وبسبب إصراره على الحرب التجارية مع باقي الدول فإنه سيدفعها إلى التوحد فيما بينها لمواجهته، وأحد أهم الرسائل هي تعزيز قدرة إيران على التأقلم مع العقوبات الأمريكية، لأن تخفيض أو تقليل اعتماد كل دولة على أمريكا يعني زيادة درجة حرية شركاتها (الشركات غير الأمريكية) للانضمام إلى التجارة مع إيران، أي إنه في حال لم ترتفع التجارة بين الصين وإيران، فإنها لن تنخفض عن المستوى التي هي فيه الآن، وفي هذا السياق يقول جون دريسكول مدير "جيه.تي.دي" الاستشارية لخدمات الطاقة "ربما يستبدل الصينيون بعضاً من النفط الأمريكي بالخام الإيراني"، وتابع "الصين لا يرهبها التهديد بعقوبات أمريكية، لم ترهبها التهديدات في الماضي، لذا، فإنهم في هذا الخلاف الدبلوماسي ربما يستبدلون الخام الأمريكي بنفط إيراني، وهذا سيثير بشكل واضح حنق ترامب".
ثانياً- إن الصين وخلال الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2007، كانت المورد الوحيد للدول الأوروبية وأمريكا، بعبارة أخرى، تمرّ الصين اليوم بمرحلة انتقالية تدريجية لتحلّ محلّ الدور الأمريكي الرائد في الاقتصاد العالمي.
ويقول بعض المحللين الاقتصاديين أنه إذا كانت أمريكا، ستستمر في تكثيف الحرب التجارية على مختلف الدول العالمية وخاصة الصين، فمن المرجح أن يزيد دور الأخيرة السياسي في العالم. وعلى الرغم من أن الصين لم تفكر في ذلك حتى اليوم إلا أنها تستطيع فعل ذلك عبر مشاريع اقتصادية كثيرة وعلى سبيل المثال مشروع " الطريق والحرير" أو استراتيجية الصين لعام 2025 وغيرها من الأمور.
ويضيف هؤلاء إن الرد الصيني اليوم محدود بحيث إنه يستهدف مجموعة معينة داخل الشارع الأمريكي، ما سيزيد من الضغط والنقم الداخلي على الرئيس الأمريكي خاصة أن الرسوم الصينية الأخيرة على السلع الأمريكية تستهدف منتجي الولايات الأكثر تأييداً لسياسة الرئيس دونالد ترامب، الأمر الذي يجعلها أكثر إيلاماً، ما يجعلها لا تستهدف فقط ترامب الذي يواجه انتقادات حادة داخلياً، وإنما تمتد إلى المنتجين والمستهلكين الأمريكيين أيضاً، وبالتالي ستكون نتيجة ذلك رفعهم الصوت ضد سياسات ترامب الاقتصادية.
ختاماً لا تشعر الصين بالقلق حيال إمدادات النفط بسبب وقف وارداتها النفطية من أمريكا، لأنها تواصل استيراد نفطها من إيران، وإذا احتاجت إلى نفط أكثر يمكن لها شراء النفط من غرب إفريقيا، وروسيا والسعودية، وعلى الرغم من أن الأخيرة لا تريد الخروج من الحضن الأمريكي الذي يأمّن لها الحماية والدعم السياسي مقابل الضغوط العالمية التي تواجهها خاصة في الآونة الأخيرة وحرب اليمن، إلا أن 400 ألف برميل نفط يومياً من شأنه أن يساعد اقتصادها الهرم وإحداث نهضة كبيرة داخله.