الوقت- هي ليلة من ليالي القدر، ليلة من ليالي العشر الأخيرة في رمضان، أقدس الأيام عند المسلمين جميعاً وعلى اختلاف مشاربهم، استطاع المحارب السياسي الايراني أن يقف في وجه دول العالم مستبسلاً في الدفاع عن حقوقه، واستطاع خط دفاع التفاوض الايراني الأول في النمسا، أن يجمع العالم على انشودة واحدة، وهي "ايران دولة نووية شاء من شاء وأبى من أبى"، وليذهب رساموالجمعية العامة لأمم المتحدة الذين رسموا لنا ذات يوماً قنبلة بخطوط الحمر الى الهفاء، وليذهب معهم مماليك الشر والارهاب والبتردولار الى اقرب طبيب فصداع الرؤوس الفارغة قد سمع أنينه من طهران الى فيينا.
فقد استطاعت ايران أن تكسب احترام العالم كله في دفاعها عن حقوقها، وعلى مجرى مياه اراك الثقيلة خاضت ايران مفاوضات أكثر ثقلاُ وحركت مجرى اقتصادها من حظر السنين الذي لم يهزمها يوماً، بل حركت العقول الايرانية الشابة ودفعتهم الى تقديم الوجه الحضاري لبلادهم المرصع باليورانيم، فاستطاعت الجمهورية الاسلامية أن تضرب عصفورين بحجر واحدة فهي من جهة استفادت من الحظار عليه وحولته الى نعمه اصقل فيها العلماء الايرانيون كل اساليب العلم الحديث في تطوير بلادهم، ومن جهة أخرى ضمنت بعد هذا الأخذ والرد حقوقاً مشروعاً لم تحد عن مطالب شعبها قيد أنملة، وبدء على أثرها الحجيج الاروربي الى أهم صانع قرار في الشرق الأوسط، فقد نفذت تذاكر السفر الى طهران بعد أن أصبحت لاعباً نووياً وباعتراف دولي، ولكن ومهما وصف البعض ما حصل في فيينا فإن الأكيد أن فجر ايران في يوم الرابع عشر من تموز 2015 ليس كبعده، ودخلت طهران بلا شك عصر هرولة الدول اليها، لتصبح اللاعب الأهم في المجريات السياسية في الشرق الأوسط، وليبدء موسم الحج (الحج السياسي) هذه المرة بحج كبير للعتبات القيادية الايرانية، واولها اعلان فرنسا عن زيارة رسمية قريبة.
وكلاعب سياسي محترف لا ينساق وراء العظمة ولا تبهره الانجازات، لم يفوت على صانع السياسية الايرانية طمأنته لدول الجوار، مباشرة وبعد التوصل الى اتفاق في فيينا، وعلى لسان الرئيس حسن روحاني الذي اعتبر ان أمن طهران من أمن المنطقة واليد ممدودة لكل من يريد الحوار. هذه الدعوة تلقفتها الرياض بصمت الحيرة، بينما رحبت بها الامارت والكويت، وسال اللعاب التركية على السوق الاقتصادية الجديدة، بينما احتفلت دمشق بالنصر وخاصة أن لها من الكعكة نصيب، وأي خير يصيب حليفها الاهم لابد أن مرتدٌ اليها، أما اسرائيل فقد أصيبت بالاحباط واعلنته يوم لنكبتها الجديدة.
قراءة في أهم الانجازات الايرانية ضمن الاتفاق النووي:
اذا العالم الآن الى مشهد ايراني دولي جديد ومفعول المكتسبات الايرانية التي تحققت في هذه الاتفاق ربما يكون أشد قوة من القنبلة الذرية وفيما يلي نستقرء بعض الخطوط العريضة للانجازات والتي أقرت في الاتفاق النووي النهائي الموقع بين ايران ومجموعة الدول الست الكبرى في فيينا:
1-لعل أهم نقطة كسبتها ايران في هذه الاتفاق التاريخي، اعتراف دولي كامل بها كدولة نووية تمتلك دورة الوقود النووية وعمليات التخصيب لأغراض سلمية، واحترام حق الشعب الايراني في ذلك وفي الاطر والأنظمة التي تكفلها المعاهدات النووية.
2- تمكنت ايران من اقرار حقوقها المتعلقة باستمرار عمل كل المنشأت النووية الايرانية تقريباً، وبالتالي فشل التهديدات التي تحدثت عن وقف التخصيب الايراني وبأي طريقة ممكنة.
3- سحب البساط من تحت الطرف الداعي لعمليات عسكرية ضد طهران بحجة امتلاكها برنامج نووياً غير سلمياً، وهو ما تم تكذيبه من قبل القيادة الايرانية مراراً، وبالتالي التأكيد على صدق الرواية الايرانية وتكذيب الرواية المضادة، وصولاً الى الاعتراف الدولي اليوم بسلمية البرنامج، وموت اي مشروع عسكري يحاك لطهران وبشكل سريري، وبقائه في المخيلة الاسرائيلية فقط، وهو ما سارعت موسكو عقب الاتفاق النووي لاعلانه، اذ اعتبر مجلس الدوما الروسي أن التوصل لاتفاق حول النووي الإيراني، سيقوض عمليا إمكانية حدوث سيناريو عسكري في الشرق الأوسط .
4- وايضاً وبموجب الاتفاق النووي الايراني ستحتفظ ايران بكافة البنى التحتية النووية، وتستمر انشطة البحث والتطوير حول جميع اجهزة الطرد الرئيسية والمتطورة، ولن يتم التخلص من اي جهاز طرد مركزي، والاحتفاظ بمنشأة اراك لانتاج الماء الثقيل ( التي كانت تشكل عقدة لبعض المفاوضين)، وتطويرها والغاء المطالب الاولية لتحويل منشأة اراك الى الماء الخفيف، واضافة احدث الاجهزة والتقنيات والمختبرات والمنشآت الجديدة، بالتعاون مع الاطراف التي تملك احدث واخر التقنيات في هذا المجال.
5- رفع الحظر عن دراسة الطلاب الايرانيين في الفروع العلمية المرتبطة بالطاقة النووية، ودخول طهران السوق العالمية النووية من أوسع أبوابها، حيث سيتم رفع الحظر على على تصدير واستيراد المواد النووية التي تتعلق بتوليد الطاقة والاستخدامات السلمية.
6- الغاء الحظر المفروض على ايران سواء في شقه الاقتصادي أوالمالي أوالمصرفي أوالنفطي أوفي مجال الغاز أوالبتروكيماويات أوالنقل، المفروضة من قبل الاتحاد الاوروبي وواشنطن منذ سنوات، وهو ما يشكل رأس الحربة في المطالب الايرانية وأحد أهم النقاط الحمر التي رسمها مرشد الثورة الاسلامية آية الله السيد على خامنئي، وما يترتب على ذلك عودة العملاق الايراني للاسواق العالمية كقوة تجارية واقتصادية، وخاصة في مجال النفط وهو أمر سيكون له انعكاسات كبيرة على الاسواق، وسيترك تأثيره الملحوظ على أسواق المنطقة بشكل ايجابي للبعض وسلبي للأخر،كأحد أهم قوانين التجارة حول العالم، وهو أمر سيؤدي لتغييرات في شكل علاقات الدول ببعضها، وفي طبيعة وتركيبة بعض التحالفات القائمة.
7- أما فيما يخص الجانب العسكري فقد تعدلت المطالبات الاوروبية والامريكية من وقف برنامج الصواريخ البالستية الايرانية، الى العمل على فرض قيود على بناء الصواريخ القادرة على حمل السلاح النووي، والتي أكدت أيران مراراً أنها ثقافتها الدينية تمنعها من السعي وراء ذلك أصلاً.
8- رفع الحظر المفروض على البنوك الايرانية ولاسيما البنك المركزي، بالاضافة الى رفع الحظر عن أكثر من 800 شركة تجارية ايرانية عامة وخاصة ومن بينها شركات النفط والنقل البحري والخطوط الجوية الايرانية، وبالتالي الغاء حظر بيع الطائرات المدنية لايران، وفسح المجال امام اعادة تأهيل القطاع الطيران الايراني والارتقاء بمستوى الامان فيه، بعد أكثر من 30 عاماً على الحظر.
9- وأخيراً وليس أخراً عودة أكثر من مئة مليار دولار التي تم تجميدها بموجب الحظر، وبالتالي عودة هذه الأموال الى السوق الايراني وما له من أثر كبير جداً على دفع عجلة التجارة في البلاد، وأيضاً مساعدة القيادة السياسية والاقتصادية الايرانية على تنفيذ سياساتها الاقليمية.
