الوقت- قبل أسبوع من الآن أقرّت الحكومة الدنماركية قانون "حظر النقاب في الأماكن العامة" ما فتح سجالاً حاداً بين الأحزاب الدنماركية بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، لتتبعه احتجاجات شارك بها ساسة يساريون، ودنماركيون ارتدى بعضهم نقاباً وأغطية وجه للتعبير عن تضامنهم مع النساء المسلمات اللواتي يرتدين النقاب، وشملت الاحتجاجات مدن كوبنهاغن وآرهوس وسط البلاد.
القانون الدنماركي الجديد ليس استثناءّ فقد سبقت دول أوروبية كثيرة الدنمارك وأصدرت قوانين مشابهة حول الحجاب، وأول من طبّق هذا الحظر فرنسا ثم تبعتها كل من بريطانيا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وعدد ليس بقليل من الدول الأوروبية.
ولا نبالغ إذا قلنا إن فرنسا الأكثر تشدداً في هذا الموضوع، علماً أنها من أكثر الدول الأوروبية التي لديها مواطنين مسلمين "5.8 ملايين مسلم" ومع ذلك ومنذ العام 2004 قامت بحظر ارتداء الحجاب ومنع عرض أي رموز دينية في المدارس الحكومية، كما حظرت عام 2010 ارتداء النقاب.
مما يخشى الأوروبيون؟
القرارات الأوروبية بمنع الحجاب تأتي تحت بند "تخوّف الدول الأوروبية من أن يغزو الإسلاميون عقر دارهم وأن يزداد التطرف الذي يقود لعمليات إرهابية"، هذا الفكر الأوروبي قادهم إلى التشديد في الإجراءات والقوانين ضد الأقليات المسلمة بما في ذلك القوانين التي تخص المرأة المسلمة، ناهيك عن المضايقات التي تتعرض لها المرأة المسلمة إن كانت ترتدي "حجاباً أم نقاباً" فالمجتمع الغربي لا يفرق بين الاثنين ومن خلال مضايقته لهذه المرأة يعتقد أنه يحارب ظاهرة "الإسلام فوبيا" ولكن ما مدى صحة ما يفعله الغرب مع المسلمين في هذا الملف، دعونا نتكلم عن النتائج ومدى فعالية هذا القانون في أوروبا.
لنبدأ من فرنسا لكونها أول من حظر الحجاب، في 13 أغسطس/آب 2016، تزعّم عمدة مدينة كان الفرنسية عريضة وقعها عدد من العمد -أغلبهم من حزب الجمهوريين اليميني المعارض- تمنع ارتداء لباس السباحة الساتر المعروف بـالبوركيني على الشواطئ التابعة للبلديات، ورفعت منظمات حقوقية دعوى ضد القرار لكن المحكمة الإدارية أيدته، وفي 25 يونيو/حزيران 2014، أصدرت محكمة النقض في فرنسا حكماً يؤيد حكماً استئنافياً لمصلحة مديرة حضانة طردت موظفة مسلمة ترتدي الحجاب أثناء العمل، وهي القضية التي استمرت لست سنوات.
في سويسرا أيضاً طرد صاحب شركة سويسري عاملة مسلمة لارتدائها الحجاب وأدان القضاء صاحب الشركة واعتبر هذه القضية خرقاً دستورياً لحرية المعتقد، هذا وقد قالت مستشارة لمحكمة العدل الأوروبية إنه ينبغي السماح للشركات بحظر ارتداء الحجاب إذا كان هذا في إطار حظر عام للرموز الدينية والسياسية.
أما في ألمانيا فقد كشفت دراسة قامت بها باحثة جامعية هناك عن التمييز بقبول طلبات الوظيفة والتشدد إذا كانت الفتاة ترتدي الحجاب الإسلامي حيث أرسلت الباحثة 1500 سيرة حياة متماثلة إلى شركات ألمانية، الفرق الوحيد بينها أن بعضها كان تحت اسم مريم اوزتورك والأخرى تحت اسم ساندرا باور وهو اسم ألماني صرف، كانت النتيجة أن "ساندرا باور" دعيت لمقابلة في 18,8 بالمئة من الحالات بينما لم تدع مريم إلا في 13,5 بالمئة.
ماذا نتج عن مثل هذه التصرفات؟!
أولاً: زيادة التطرف والانقسام وهناك خشية حقيقية من أن ينقسم المجتمع الدنماركي على خلفية القانون الجديد، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من التطرف والانعزال وعدم الاندماج، وللتأكيد منذ أن اتخذ هذا القرار في الدنمارك (في أواخر مايو/أيار الماضي) بدأت الكثير من الفتيات والنساء يلحظن زيادة في العدوانية في الشارع، هذه التصرفات قد تدفع شباباً مسلمين للدفاع عن هؤلاء الفتيات ما يؤدي إلى حدوث صدامات، المجتمع الأوروبي بغنى عنها.
ولكي نطرح مثالاً: فرنسا أكثر دولة تعارض الحجاب وتحاربه، وهي أكثر دولة تتعرض لهجمات إرهابية من التكفيريين.
ثانياً: هل يحق لأوروبا عزل المسلمين بسبب بضع نساء يرتدين النقاب، وهل يحق لأوروبا عدم احترام الحرية الدينية وحرية المعتقد التي يضمنها القانون في أغلب دول العالم ولاسيما أوروبا التي تدّعي الانفتاح واحترام حرية الآخرين، وهل من المنطق أن تدفع الفتاة التي ترتدي النقاب نحو 140 يورو (ألف كرونة) غرامة ارتدائها للنقاب، هذا الأمر سيزيد الهوة بين المسلمين والأوروبيين وسيعزز ظاهرة "الإسلام فوبيا" داخل المجتمع الأوروبي وسيقود للعنف بطبيعة الحال.
ثالثاً: ستدفع هذه القوانين الأوروبية المسلمين إلى الانعزال أكثر فأكثر وسيقود المجتمع الأوروبي إلى النفور من المسلمين والابتعاد عنهم بسبب سياسة التخويف التي تقودها حكوماتهم، وهذا سيجرّ المسلمين للتمسك أكثر بالدين وقد يستغل ذلك المتطرفون من المسلمين لتحريض الناس على المجتمع الأوروبي وبهذا تكون السلطات الأوربية قد قادت مجتمعاتها نحو المجهول.
في الختام.. إن الضغط من قبل أي دولة على المسلمين بالحجاب الذي يعدّ أمراً مقدّساً بالنسبة لهم، سيضعهم أمام خيارين مقدسين إما الحجاب وإما القانون، في حال تمّ كسر أحد هذه الأمور المقدسة مرّة، فسيتم كسرها مرّات عدّة.
هذا الأمر يتنافى مع حقوق الإنسان وحرية المعتقد، حتى القوانين الأساسية التي كتبت في أغلب الدول تكفل هذا الأمر، لكن هناك بعض المشاريع التي يتقدّم بها نواب، كثير منهم معادين للإسلام، وهنا يتوجب على الحكومات التعاطي بعقلانية مع مثل هذه القرارات ودراسة مدى جدواها وآثارها السلبية.