الوقت- كعادته، فاجأ السيد مقتدى الصدر زعيم "حركة سائرون" الكتلة الفائزة بأكبر عدد من النواب في البرلمان، الجميع، بالتحالف الجديد بين "ائتلاف الفتح العراقي" بزعامة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري و"حركة سائرون" بزعامة السيد مقتدى الصدر، وفق برنامج حكومي موحّد خلط الأوراق على الساحة العراقيّة بعد أخذ وردّ حول مستقبل التحالفات وقبل تشكيل الحكومة العراقيّة.
التحالف الجديد يأتي في وقت فائق الحساسيّة بالنسبة للمواطن العراقي، خاصّة بعد حادثة إحراق صناديق الاقتراع المفتعلة والتي أراد منها البعض إدخال البلاد في مصير مجهول بعد نجاح يسجّل لجميع العراقيين بعقد الانتخابات في فترة قياسية بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي.
العديد من الأطراف العراقيّة وجدت في الأمر خطوة إيجابية وبداية لخارطة طريق سياسية، من ضمنها الحزبان الكرديان الرئيسيان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وكذلك أحزاب عراقية أخرى قريبة من كلا الكتلتين، الأمر الذي يشي بتشكيل حكومة في وقت أسرع نسبياً.
تبعات عدّة يحملها التحالف الجديد على المشهد العراقي في شقّيه الداخلي والخارجي، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط:
أولاً: يبدو لافتاً أن الكتلة الأكبر اليوم في الحكومة العراقية تحمل توجّهات واضحة إزاء واشنطن سواءً فيما يتعلّق بالتحركات الأمريكية السياسيّة، أم بالحضور العسكري الأمريكي في العراق.
لعل الجانب الأمريكي هو الخاسر الأكبر من هذا التحالف بسبب إصرار الكتلتين على ضرورة الخروج الأمريكي من العراق في أسرع وقت ممكن.
جايد بابين، المسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، اعتبر في مقال له نشر بصحيفة الواشنطن تايمز أن أي حكومة عراقية يسيطر عليها مقتدى الصدر ستكون عدوة لأمريكا، فقد عاش الصدر وتياره لسنوات على الدعم الإيراني، وكانت طهران ملاذاً لقادة التيار الصدري وشبكاته الإرهابية"، وفق زعمه، وتابع: "منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مثّل مقتدى الصدر تحديّاً للقوات الأمريكية، وأدلى بتصريحات مناهضة لها، وكانت له مليشيات قاتلت القوات الأمريكية، وسبق له أن رفض التحدث مع المسؤولين الأمريكيين في العراق، ومنهم بول بريمر، عندما كان يحاول تشكيل الحكومة.
ثانياً: في المقابل، لا نعتقد أن أمريكا ستتخلى بسهولة عن مشروعها في العراق، وبالتالي قد نرى مع اتضاح معالم المشهد العراقي تقارباً أمريكياً أكبر مع الأكراد وعودة إلى مشروع التقسيم بحلّة جديدة.
هناك توصيات أمريكية صدرت عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قبيل الانتخابات العراقية حول ضرورة إمساك واشنطن بزمام الوساطة بين أربيل وبغداد للتأثير على المشهد العراقي، والتلويح بورقة التقسيم مجدداً في حال كانت نتيجة الانتخابات الخروج الأمريكي من العراق.
ثالثاً: داخلياً، يعدّ الشعب العراقي أحد أبرز المستفيدين من التحالف الجديد الذي يشي بخروج أسرع من الواقع الحالي عبر تشكيل حكومة جديدة عنوانها التوافقية والوطنيّة كما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك بالأمس. تشير الوعود والبرامج المتقاربة للعامري والصدر بتشكيل حكومة قوية تستطيع أن تقدّم ما ينتظره الشعب العراقي من إنجازٍ وخدمات، ولاسيّما أن مستوى التعاون يؤكد أن البرنامج الحكومي سيكون مناسباً لمواجهة التحديات والأزمات والمشكلات التي يمرّ بها العراق في هذه المرحلة والمراحل القادمة، ومن أهمها توفير الاحتياجات ومعالجة الأزمات والإشكالات التي تهم المواطن.
رابعاً: الحكومة المرتقبة لن تكون حكومة وسطية بالمعنى السلبي، بل حكومة وسطية بالمعنى الإيجابي كونها ستقطع الطريق على وجود بعض الأطراف "بيضة قبان" لتعطيل برنامج القوى الفائزة.
التحالف الجديد لم يستثنِ أحداً من الكتل الفائزة، كما أنّه يحافظ على التحالف الثلاثي مع الحكمة والوطنية، إلا أنّه في الوقت عينه يؤكد أن من يرى البرنامج الحكومي لا ينسجم مع برنامجه أو لا يرى فيه برنامجاً ناجحاً من حقه التوجه إلى المعارضة، هذا التوجّه الواضح يمنع إبرام الصفقات وبالتالي إيجاد حكومة مكبّلة تحكمها التجاذبات والخلافات.
خامساً: المفاجأة الجديدة سترخي بظلالها على المشهد السياسي وتخفّف من حدّة التوتر السياسي القائم، لاسيّما في ظل الحديث عن أنّ "وفداً من تحالف الفتح يترأسه قيس الخزعلي زار المالكي وعرض عليه مبادرة يقودها العامري للصلح بين رئيس ائتلاف دولة القانون وزعيم التيار الصدري تمهيداً لدخول المالكي في التحالف الجديد، يبدو أن هناك مساعٍ لتشكيل تحالف يعزز الوحدة العراقية ويساهم في إبعاد شبح الاقتتال الداخلي الذي تسعى له بعض الأطراف الداخلية والخارجية ولاسيما بعد حادثة إحراق صناديق الاقتراع.
يبدو أن المشهد العراقي الذي شاهدناه في جبهات المواجهة ضد تنظيم داعش الإرهابي سيتكرّر اليوم بحلّة سياسيّة تعيد بناء عراق قوي قادر على مواجهة جميع المتربصين به داخلياً وخارجيّاً، فهل ستنجح محاولات العرقلة في وصول العراق إلى برّ الأمان سياسياً، بعد وصوله عسكرياً؟.