الوقت- سوريا، والسلاح الكيميائي "شماعة الغرب" إلى الواجهة من جديد ولكن هذه المرة من مدخل قانوني تقوده منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي وصلت إلى سوريا في الـ14 من الشهر الحالي والذي صادف في نفس اليوم الذي قاد فيه ترامب العدوان الثلاثي على سوريا تحت ذريعة استخدام غازات سامة في الغوطة الشرقية في 7 نيسان، حيث اتهم الغرب الحكومة السورية باستخدامها وقتل عشرات المدنيين.
الحكومة السورية نفت هذا الأمر واعتبرت أن لا أساس له من الصحة ودعت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق بهذه القضية فور انتشار الخبر، وطمأنت الجميع بأنها ستقدم للجنة القادمة كل التسهيلات للقيام بعملها بكل شفافية، وفي هذا الصدد، قال معاون وزير الخارجية والمغتربين السوري أيمن سوسان حسب صحيفة "الوطن" السورية، إن "لجنة تقصي الحقائق التي وصلت السبت إلى دمشق ستباشر عملها في مدينة دوما وستدعمها الدولة السورية لتقوم بعملها بشكل مهني وموضوعي وحيادي من دون أي ضغط".
لكن الغرب حالياً ومعه بعض الدول الإقليمية وبعد فشلهم في تحقيق مشروعهم على الأراضي السورية، خاصةً بعد أن أخرج الجيش السوري المسلحين من محيط دمشق وأمّن العاصمة، ليتبعها بعد ذلك بإفشال الضربة العسكرية على بلاده وتفريغها من جميع الأهداف التي كانت ترنو إليها، يضاف إلى ذلك عدم وجود إثبات حقيقي حتى اللحظة لاستخدام الكيميائي في ريف دمشق، ونظراً لتراكم الأسباب الآنفة الذكر وعجز الغرب عن إدانة سوريا لم يبقَ أمامهم سوى العزف على وتر جديد من يسمعه يشعر بكمّ النشاز الذي يشهده العالم الحالي في السياسة، الوتر الجديد يعزف "لحن المخاوف الأمريكية والغربية" من أن تكون روسيا وسوريا قد طمستا موقع الهجوم في دوما.
هذا الكلام أخرجه إلى العلن ممثل الولايات المتحدة بالبعثة الدولية كينيث وارد، اليوم الاثنين، حيث عبر وارد عن خشيته من أن تكون القوات الروسية في سورية قد طمست موقع الهجوم بدوما، وهو ما سيعرقل عمل البعثة الدولية التي كان أحد أعضائها قد حذّر سابقاً من أن يتم المساس بموقع الهجوم، بحسب قوله.
إلى أي درجة يمكن أن نعتبر هذه المخاوف في مكانها؟!
أولاً: حتى اللحظة لا يوجد دليل يؤكد استخدام أسلحة كيميائية في الغوطة، وبالتالي لا صحة للهجوم الكيميائي في دوما والمواطنون الذين خرجوا من هناك كذّبوا هذه الأخبار ومن بينهم أطباء كانوا في الداخل، ومع ذلك صرّح المسؤولون السوريون بأن أبواب دمشق مفتوحة لجميع المحققين شريطة أن يقوموا بعملهم بنزاهة ويكونوا حياديين، هذه الثقة التي برزت في كلام المسؤولين السوريين توضح مدى كذب واشنطن التي اتخذت من هذا السيناريو المعتاد ذريعة لشن هجوم غير مبرر على سوريا.
ثانياً: الحكومة السورية اليوم في موقع قوة أكثر من أي وقت مضى وليس من مصلحتها أن تستخدم أسلحة كيميائية في حال كانت تملكها كونها سلمتها جميعها وبرعاية دولية، وبالتالي كيف يمكن لشخص في موقع القوة أن ينزلق إلى هذا المستوى ويشعل حرباً عليه وهو يبحث ليل نهار عن إرساء الأمن والاستقرار في البلاد.
ثالثاً: في حال كان الغرب والأمريكي يؤمنون بالقانون وينتهجون سياسات غير عدوانية تجاه دولة بعينها، كيف لهم مجتمعين أن يشنوا هجوماً على سوريا قبل أن يبدأ المفتشون والمحققون عملهم في دوما وقبل أن يخرجوا بأي نتيجة عما جرى، ولكن نحن نقول لكم السبب، السبب أن الأمريكي "منافق"، لمن يذكر الحرب العراقية – الإيرانية، والتي راح ضحيتها آلاف الإيرانيين نتيجة استخدام صدام حسين حينها للغازات السامة التي وجهها ضد المدنيين والجنود سويةً، هل تحرّك الضمير العالمي حينها كما يتحرك اليوم تجاه سوريا، هل نسي العالم مجزرة "حلبجة" والتي مات فيها أيضاً آلاف الإيرانيين بالسلاح الكيميائي الذي استخدمه صدام حينها والذي كان مصدره أمريكا نفسها، هل سألتم أنفسكم لماذا لم تتحرك عسكرياً أمريكا حينها ضد نظام صدام؟.
رابعاً: يرجّح السيد رالف تراب، وهو عضو ومستشار بعثة سابقة للمنظمة إلى سوريا، أنه "لن يكون هناك دليل حاسم، في معظم الحالات لن يكون هناك دليل واحد كافٍ"، ويوضح تراب أن "المحققين سيبحثون عن أدلة تظهر ما إذا كان جرى التلاعب في مكان الهجوم أم لا"، مشيراً إلى أنه سيكون عليهم أيضاً إيجاد طرق للتثبّت من صحة أدلة تقدّمها لهم أطراف أخرى، هذا الكلام يوضح كيف تعمل السياسة الأمريكية على تبرير أي عمل تقوده أو جريمة ترتكبها بحق شعب بأكمله، عندما لن يجد الأمريكي والفرنسي والبريطاني أي دليل على وجود سلاح كيميائي في سوريا، من سيحاسبهم، هل هناك قانون دولي سيحاسب هذه الدول على الاعتداء على سيادة دولة مستقلة؟!.
إذا كان هناك مجتمع دولي حاسب واشنطن والغرب على تدمير العراق ومن ثم الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين، بالتأكيد سيحاسبهم على اعتدائهم على سوريا، ولكن على من نكذب، سيتم تبرير الاعتداء بألف طريقة وستكون اللجنة التي بدأت أعمالها في دمشق منذ يومين إحدى هذه المبرّرات، فلننتظر ونرى ماذا سيحدث وحينها لكل حادث حديث.