الوقت- كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اليوم في مقال أعدّه وترجمه "موقع الوقت التحليلي الإخباري" عن مجزرة ارتكبها ابن سلمان أثناء حملته المزعومة لمكافحة الفساد والتي احتجز من خلالها كبار الأمراء ورجال الأعمال.
وبحسب ما نشرته الصحيفة الأمريكية في مقال للكاتب "بين هوبارد" احتجزت الحكومة السعودية مئات رجال الأعمال البارزين في فندق ريتز كارلتون في الرياض فيما وصف بأنه حملة قمع الفساد، حيث يعتبر هؤلاء رجال الأعمال العمالقة في الاقتصاد السعودي لكنهم اليوم وبفضل حملة ابن سلمان باتوا مقيدين بالأغلال حتى الكاحل ويتم تتبع تحركاتهم حتى بعد إطلاق سراحهم المزعوم.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني، احتجزت الحكومة السعودية مئات من رجال الأعمال وكثير منهم من أفراد العائلة المالكة - في فندق ريتز كارلتون بالرياض في حملة أطلق عليها اسم "حملة مكافحة الفساد"، ومنذ ذلك الحين تم الإفراج عن معظمهم لكنهم بالكاد اليوم هم أحرار. وبهذا، فإن هذه الفئة التي ينبغي أن تكون مؤثرة في السعودية تعيش اليوم في خوف.
وحول تفاصيل الاحتجاز قالت الصحيفة الأمريكية: خلال أشهر من الأسر، تعرّض الكثير منهم للإكراه والإيذاء الجسدي، حسب قول الشهود، في الأيام الأولى من حملة القمع، تم إدخال ما لا يقل عن 17 معتقلاً إلى المستشفى بسبب الاعتداء الجسدي، وتوفي أحدهم في وقت لاحق أثناء الحجز (كسر في العنق وجسم منتفخ بشكل سيئ، وعلامات أخرى ظهرت على جسده تشير إلى التعذيب).
وحول حملة محاربة الفساد الخاصة بالأمير الشاب قالت الصحيفة الأمريكية إن الفساد ظلّ مستوطناً في السعودية منذ فترة طويلة، وكان يُفترض أن العديد من المعتقلين قد سرقوا من خزائن الدولة، لكن الحكومة السعودية - مستشهدة بقوانين الخصوصية - رفضت تحديد التهم الموجّهة ضدّ المحتجزين، وحتى بعد الإفراج عنهم، لتوضيح من تم إدانتهم أو تبرئتهم، ما يجعل من المستحيل معرفة ما هو الدافع وراء عملية التسوية الشخصية.
وحول دوافع هذه العملية قالت الصحيفة: يبدو أن جزءاً من الحملة كان مدفوعاً بنزعة عائلية، لأن ولي العهد الأمير محمد يضغط على أبناء الملك عبد الله، الملك الذي توفي في عام 2015، لإعادة مليارات الدولارات التي يعتبرها ميراثاً له، وفقاً لثلاثة من مساعدي عبد الله.
وعلى الرغم من أن الحكومة قالت إن الحملة ستزيد من الشفافية في المملكة، إلا أنه قد تم إجراؤها سراً وتجنب الإفشاء العلني عنها، مع حظر السفر والخوف من الأعمال الانتقامية التي تمنع المعتقلين من التحدث بحرية، بينما تحدث معظم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في هذا المقال بشرط عدم الكشف عن هويتهم لتجنب بطش ولي العهد محمد.
وقالت الحكومة السعودية في بريد أرسلته للصحيفة إن "التحقيقات التي قادها النائب العام تمت بالتوافق التام مع القوانين السعودية، وتمكن جميع الذين يخضعون للتحقيق من الوصول الكامل إلى مستشار قانوني بالإضافة إلى الرعاية الطبية لمعالجة الحالات المزمنة الموجودة من قبل "، ورفضت الحكومة، والعديد من المسؤولين السعوديين الذين تم الاتصال بهم بشكل منفصل، الإجابة على مزيد من الأسئلة حول القمع.
بدوره قال روبرت جوردان، الذي عمل سفيراً لأمريكا في السعودية في عهد الرئيس جورج بوش: "في بداية حملة القمع، وعدونا بالشفافية، لكنهم لم يقوموا بذلك" لا بل إنه "بدون أي نوع من الشفافية أو حكم القانون، حيث تبين للمستثمرين بأن استثماراتهم قد تم السيطرة عليها كما تم احتجاز شركائهم السعوديين دون أي مبرر لهذه الاتهامات".
سجن خمس نجوم
وقال الصحيفة: وقبل فجر يوم 4 نوفمبر، كان الأمير الوليد بن طلال، أشهر مستثمر في المملكة وأحد أغنى رجال العالم، نائماً في مخيم صحراوي عندما استدعاه البلاط الملكي لرؤية الملك سلمان، وفقاً لزميلان من عائلته. ولقد كان طلباً غريباً في تلك الساعة، لكنه لا يتجاهل رغبات الملك، فعاد إلى الرياض، حيث تم طرد حراسه، وأخذت هواتفه منه، واحتجز في فندق ريتز.
وخلال الساعات الأربع والعشرين القادمة من ذلك اليوم، تم اعتقال أكثر من 200 شخص بمن فيهم بعض أغنى وأقوى الرجال في المملكة، وكان من بينهم الأمير متعب بن عبد الله، ابن الملك عبد الله، ورئيس أحد أجهزة الأمن الرئيسية الثلاثة في البلاد؛ فواز الحكير وصلاح كامل، ورجل أعمال مسن من مدينة جدة والعديد من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين السابقين، وانتهى المطاف بأغلبيتهم في فندق ريتز، في الغرف التي تم إزالة أبوابها الزجاجية وقضبان الستائر لمنع محاولات الانتحار، مع إمكانية مشاهدة التلفزيون وطلب خدمة الغرف، ولكن ليس لديهم إنترنت أو هواتف، وفي الخارج، أصيب أقاربهم بالذعر، وقام مديرو شركاتهم بوضع خطط طوارئ للحفاظ على سير العمليات، غير متأكدين من طول المدة التي سيغادر بعدها رؤساؤهم. وفي نهاية المطاف، سُمح للمحتجزين بطمأنة عائلاتهم من خلال المكالمات القصيرة وسط مراقبة مشددة.
وتم منع العديد منهم من الاتصال بمحاميهم، لكن الأمير الوليد تحدث أسبوعياً مع بعض مديريه، على حدّ قول شركائه. وبقي بعيداً عن الأنظار حتى شهر كانون الثاني / يناير، عندما سمحت المحكمة الملكية لصحفي من رويترز بمقابلته في فندق ريتز لمواجهة تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية ذكر فيه أنه قد تم احتجازه في غرفة تشبه الزنزانة. وفي غضون ساعات قليلة، أُفرج عنه، لكن حتى المقربين منهم يقولون إنهم لا يعرفون الاتفاق الذي أبرمه مع الحكومة.
كيف تم الاعتداء على المحتجزين
في الأيام الأولى من الاعتقالات في فندق ريتز، احتاج ما يصل إلى 17 معتقلاً إلى علاج طبي لسوء المعاملة من قبل آسريهم، وفقاً لطبيب ومسؤول أمريكي. وقال أقارب بعض المحتجزين إنهم حرموا من النوم، وتعرضوا للتخويف والاستجواب بينما كانت الحكومة تضغط عليهم للتوقيع على تنازلات عن أصول كبيرة. وكان يتم التكتم عن الدلائل على مثل هذه الانتهاكات، لكن مسؤولين من حكومتين غربيتين قالوا إنه لديهم تقارير ذات مصداقية كبيرة تكشف هكذا ممارسات.
وإحدى الحالات تتعلق بضابط عسكري سعودي مات في الحجز، وأحد الأشخاص الذين رأوا جثة الضابط، اللواء علي القحطاني، قال إن رقبته كانت ملتوية بشكل غير طبيعي كما لو كانت مكسورة، وإن جثته كانت متورمة ومليئة بالكدمات وقال طبيب وشخصان آخران عن حالة الجثة أن عليها علامات حروق تبدو وكأنها صدمات كهربائية.
وفي رده عبر البريد الإلكتروني على أسئلة حول الجنرال القحطاني، قال مسؤول في السفارة السعودية في واشنطن، "جميع ادعاءات سوء المعاملة والتعذيب -لأولئك الذين تم التحقيق معهم خلال إجراءات مكافحة الفساد - غير صحيحة على الإطلاق".
ولم يكن القحطاني، وهو ضابط في الحرس الوطني السعودي يعتقد أنه في الستين من عمره، ثرياً على الإطلاق، لذا فإن قيمته كهدف رئيسي لمكافحة الفساد أمر مشكوك فيه. لكنه كان أحد كبار مساعدي الأمير تركي بن عبد الله، ابن الملك الراحل عبد الله وحاكم الرياض السابق، وربما كان المحققون يضغطون على الجنرال للحصول على معلومات حول رئيسه، الأمير تركي، وينظر إلى أفراد عائلة الملك عبد الله على أنهم منافسون لولي العهد محمد ووالده الملك سلمان. وفي نوفمبر / تشرين الثاني، نُقل الجنرال القحطاني إلى مستشفى النخبة بالقرب من الفندق لإجراء فحوص بالأشعة وعلاجات أخرى، حيث ظهرت عليه علامات تعرضه للضرب، وفقاً لطبيب اطلع على حالته، وقد أُعيد إلى الفندق لاستجواب آخر، ثم أعلن عن وفاته في مستشفى عسكري، لم تقدم المملكة علناً أي تفسير لموت الجنرال.
مساعدات أجنبية
مهما كان الضغط الذي تم تطبيقه في فندق ريتز، كان الهدف هو جعل المحتجزين يوقعون على الأصول المالية وفي بعض الحالات، جلبت الحكومة شركات دولية بارزة للمساعدة.
حيث عبر ولي العهد الأمير محمد أولاً عن رغبته في شراء أكبر شركة إعلامية خاصة في العالم العربي، MBC، في عام 2015 ، وفقاً لثلاثة شركاء من قيادة الشركة، على الرغم من أنها لا تعتبر مربحة للغاية، إلا أن MBC تمتلك مجموعة من المحطات التلفزيونية الفضائية التي تبث برامج مثل "The Voice" و "Arab Got Talent" إلى ملايين المنازل، وتمتلك الشركة قدرة هائلة على التأثير في الرأي العام العربي، وتعثرت المفاوضات بشأن البيع عندما وصل فريق من شركة المحاسبة الدولية PWC ليقوم بفحص كتب الشركة في أكتوبر. وتم اعتقال واحتجاز أصحاب الشركة ومعظم أعضائها في 4 نوفمبر / تشرين الثاني. وبعد أربعة أيام، زار محاسبو شركة PWC مقرّ الشركة في دبي لإنهاء تقريرهم، وفقاً لمهنيين اثنين على علم بالاجتماع. ثم قامت شركة أجنبية ثانية، هي شركة المحاماة البريطانية كليفورد تشانس، بإعداد الأوراق لنقل ملكية الشركة، وفقاً لثلاثة من المهنيين الذين لديهم معرفة بالصفقة.
هذا وتم إطلاق سراح وليد إبراهيم، رئيس مجلس إدارة شركة MBC، من فندق ريتز في أواخر شهر يناير، لكنه لم يعد بعد إلى دبي، على الرغم من الوعود التي قدمها لموظفيه بالعودة، وفي الأسابيع الأخيرة، التقى ممثلو MBC بالمحامي كليفورد تشانس لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يترك للسيد إبراهيم 40 في المئة من الشركة، ما يمهد الطريق على الأرجح للإطاحة به كمدير، وفقاً لمهنيين اثنين على علم بالصفقة. لكن برنامج الشركة قد تغير بالفعل، هذا الشهر حيث ألغي مسلسل درامي تركي شهير، كلف الشركة حوالي 25 مليون دولار، وفقاً لمتخصصين على دراية مالية بالمحطة، حيث يوجد خلاف سعودي - تركي بسبب علاقاتها مع قطر التي تقاطعها السعودية وحلفاؤها، وقالت مصادر إن الأمر جاء من مسؤول سعودي كبير قريب من ولي العهد محمد.