الوقت- أربعة أيام مرت على بدء العملية العسكرية التركية "غصن الزيتون" في عفرين السورية بحجة مواجهة الخطر الكردي في الشمال السوري والذي بات يشكل كابوسا يقلق راحة اردوغان ومساعيه الاقليمية فضلا عن كونه يعتبر ذلك حماية لأمنه القومي وحقا مشروعا له، وجرت العملية وسط صمت أمريكي رافقه بعض التصريحات التي لم ترقى إلى ردعه أو منعه من الاقدام على العملية بل وصل الأمر إلى حد تصريح وزير الدفاع الأمريكي بأن تركيا لها مخاوف امنية مشروعة.
هذا السلوك الأمريكي الجديد القديم يدفعنا للتساؤل حول أهداف واشنطن من غض النظر عن "غصن الزيتون" التركي الذي بدأ يلتف حول عنق الأكراد ويخنقهم؟!. وما هو موقف الأكراد من ذلك وهل تعلموا الدرس الرابع أم للقصة بقية؟!. ومالذي دفع التركي لدخول عفرين؟!.
السؤال الأخير قد نجد اجابته بكلام المُتحدّث باسم التّحالف الأمريكي للقَضاء على "داعش"، العقيد ريان دالون، والذي أعلن أن بلاده بِصَدد تَشكيل جيش قَوامه 30 ألف جُندي نِصفه من قُوّات سورية الديمقراطيّة، التي تُشكّل وحدات حِماية الشّعب الكُرديّة عَموده الفَقري والنِّصف الآخر من أكراد وبَعض العَرب، وبالتالي يمكننا أن نستشف من هذا بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أهدى تركيا "غصن الزيتون" واستفزتها لكي تهاجم حلفائها الذين على ما يبدو بقوا وحيدين في ساحة المعركة بعد أن كانت قد وعدتهم بأنها حليفتهم الاستراتيجية التي لن تتخلى عنهم تحت أي ظرف، لكنها في حقيقة الامر تخلت عنهم كما تخلت عن أكراد العراق ومسعود البارزاني.
من هنا تبرز نقطة الضعف الكردية في السياسة واختيار الحلفاء الخطأ الذين يتنصلون منهم عند الوصول إلى غاياتهم، وهذا ماتفعله اليوم واشنطن مع أكراد سوريا من خلال انتهاجها لسياسة لم تصب أبدا في صالح الأكراد بل على العكس تماما، حيث حرضت التركي عليهم وشجعته لشن العملية العسكرية ضدهم.
هذا الكلام يتماهى إلى حد كبير مع ما كتبه الكاتب والمحلل البريطاني، باتريك كوكبيرن، في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية، اعتبر فيه أن سياسات واشنطن في سوريا وخاصة في الفترة الأخيرة، أسهمت بقسط كبير في تفجير أزمة عفرين، مبينا ان احتمالات الصدام بين أنقرة وكرد سوريا ازدادت بعد هزيمة داعش أواخر العام الماضي.
وأضاف الكاتب أن "تركيا تأمل في تقليص الدعم الأميركي للكرد بعد تراجع خطر داعش، لكن ما صدر عن واشنطن أحبط الآمال التركية على ما يبدو، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في وقت سابق، أن جيش بلاده يعتزم البقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى، ما يعني استمرار تمركزه في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها الوحدات الكردية".
ووفقا للكاتب، فإن "تيلرسون على ما يبدو لم يأخذ بعين الاعتبار شيئا بديهيا وهو أن تصريحاته ستثير غضب ليس روسيا وسوريا وإيران فحسب، بل وتركيا بشكل خاص"، وأوضح أنه بالرغم من مزاعم واشنطن بأن وجودها في سوريا يعتبر عامل تعزيز للاستقرار، إلا أن الواقع في المنطقة يثبت عكس ذلك.
أما تركيا فعلى ما يبدو ماضية في هجومها على عفرين حتى القضاء على الوحدات الكردية المسلحة "قوات سوريا الديمقراطية" و "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها تركيا إرهابية لكونها تعتبرها على علاقة مع "حزب العمال الكردستاني" الذي تصنفه تركيا حزبا إرهابيا تعمل على محاربته داخل أراضيها وخارجها، وفي تصريح له يوم الأحد الماضي، قال الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان أن العملية البرية في عفرين "مستمرة دون توقف حتى تحقيق أهدافها".
وتعتبر تركيا أن الاكراد يشكلون خطرا كبيرا على أمنها القومي خصوصا أنهم يعيشون في مناطق حدودية مع أراضيها في الجنوب، هذا التخوف التركي لاقى مباركة أمريكية ومن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، نفسه عندما قال : " تركيا حليف مهم لحلف شمال الأطلسي " الناتو " مضيفا :" ان تركيا لديها مخاوف أمنية مشروعة. ان تركيا كانت صريحة مع الولايات المتحدة، وانها حذرتنا قبل القيام بالغارات الجوية ".
وما يؤكد أن الولايات المتحدة لها اليد الكبرى بهجوم تركيا على عفرين تصريح وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف الذي وَضع اللّوم كُلّه على الولايات المتحدة بِقَوله "أن التصرّفات الأمريكيّة في سورية أمّا استفزاز مُتعمّد أو دليل على عَدم فَهم واشنطن للوَضع هُناك".
كان الأحرى بالأكراد ان يقبلوا بعرض الحكومة السورية عندما اقترحت عليهم، أن تضع تحت تصرفهم المؤسسات الحكومية على أن يتركوا السيطرة على حدود عفرين للجيش السوري. وكان يمكن لهذه الخطوة أن تحمي الأكراد من مهاجمة الأتراك، ولكن ارتمائهم في الحضن الأمريكي منعهم من قبول العرض واليوم يدفعون ثمن ذلك، وكان الأحرى بهم أيضا أن يشاهدوا مصير أصدقائهم واخوانهم في كردستان العراق وكيف تخلي الأمريكي عنهم وأدخل الإقليم في فوضى كبيرة كانت ستنهش بالاقليم لولا وعي الحكومة العراقية والوساطة الإيرانية.
ختاما؛ ما يجري اليوم في عفرين يوصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها " واشنطن حليف سيء ومخادع لايمكن الوثوق به تحت أي ظرف".