الوقت- لم تكد تنقشع أسنة اللهب لجحيم "داعش" التي أشعلت دولاً بأسرها، عن العراق، حتى دخل هذا البلد الجريح بدوامة سياسية كان الجميع على موعد معها، ولكن يبقى السؤال كيف سيتعامل أبناء العراق الذين حاربوا بجميع طوائفهم ومذاهبهم وإنتمائاتهم السياسية كل من عبث بأمن بلادهم واستقرارها مع الظروف الراهنة، فهل سيتوحدون في السياسية كما توحدوا في الميدان؟! وكيف سيكون المستقبل السياسي للعراق في مرحلة ما بعد "داعش"؟!.
عندما نتكلم عن المستقبل السياسي للعراق لا يمكننا تجاوز حدث مهم يجري التحضير له منذ ثلاث سنوات، ألا وهو استفتاء إقليم كردستان العراق والذي من المقرر إجراؤه في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، ومع اقتراب هذا الاستفتاء بدأت تصريحات المسؤولين داخل العراق وخارجه تأخذ شكلا أكثر جدية في التعاطي مع هذا الموضوع، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، وتشعبت القضية أكثر لينقسم الأكراد فيما بينهم بين موافق ومخالف للاستفتاء.
انعكاسات الاستفتاء
مما لاشك فيه بأن القيادة الكردية وتحديدا رئيس اقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني يرى أن الاستفتاء يحقق مكاسب كبيرة للإقليم خاصة أننا شهدنا فترة ذهبية للإقليم خلال العقدين الماضيين، قام خلالها مسؤلوا الاقليم باستقبال وفود على مستوى رؤساء جمهوريات وارتفع علمهم الخاص منفردا على المقار الرسمية، وأصبح لديهم حكومة وبرلمان، فضلا عن مشاركتهم في الحياة السياسية داخل العراق وحصولهم على مقاعد نيابية ووزارية، هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية الاقتصادية فقد قام الإقليم بتوقيع عقود نفطية وتصدير كميات هائلة من النفط عبر تركيا، هذه الأمور وغيرها تدفع بالساسة الأكراد إلى الدفاع عن هذه المكتسبات بأي ثمن، ولكن في المقابل هناك وجه آخر لهذا الاستفتاء لابد من كشفه.
الوجه الآخر للاستفتاء
قد يأخذ الاستفتاء على الإقليم في "حال حصوله" العراق إلى المجهول ويضعه على حافة الهاوية من ناحية الاضطرابات العرقية التي قد تمتد إلى خارج العراق، وقد يتألم كثيرا من ضحى بدمائه وكل ما يملك للدفاع عن وحدة العراق، ولا أحد يعلم إن كان هذا الاستفتاء سيحدث بالفعل أم أن البارزاني يستخدم هذا الأسلوب للحصول على مكتسبات جديدة أو "ضمانات" لتحديد سكان الإقليم مستقبلهم ومصيرهم، في حال "إرجاء تاريخ الاستفتاء"، كما طلبت واشنطن على لسان وزير خارجيتها ريكس تيلرسون من مسعود بارزاني، ومع ذلك يصر رئيس كردستان على المضي قدما لتحقيق الاستفتاء، ربما يستغل بارزاني حاجة الولايات المتحدة للأكراد في هذه الفترة سورياً وعراقياً، خاصة بعد تهاوي الجماعات المسلحة وفقدانها أي فعالية حقيقية على الأرض، وبالتالي فإن الأكراد يعتبرون ورقة رابحة بالنسبة للأمريكان، ومع ذلك لا يمكن للأكراد إجراء الاستفتاء بدون ضوء أخضر أمريكي.
ولكن بالرغم من اصرار بارزاني على اجراء الاستفتاء إلا أن أصوات معارضة له قد تقف حجر عثرة في طريقه، تتمثل هذه الأصوات بحركة التغيير والجماعات الإسلامية ويملك هذين الحزبين نحو ثلث مقاعد برلمان الإقليم المعطل، يضاف إلى هذين الحزبين شخصيات سياسية وكتاب وصحفيين ونشطاء في المجتمع المدني، وقاد هؤلاء أول حراك مدني كردي، ضد الاستفتاء على الانفصال، وانطلق هذا الحراك من مدينة السليمانية ثاني أكبر مدن الإقليم تحت شعار " لا ــ في الوقت الحالي"، واعتبر بيان تم إعلانه مع انطلاق الحراك، الإستفتاء غير شرعي ومفتقر إلى السند القانوني والإجماع الوطني، ورأى البيان أن الاستفتاء يساهم في انقسام سكان الاقليم بدل جمعهم حول طرح وطني موحد في قضية مصيرية.
آراء حول الانقسام
ولم يلقی الاستفتاء على الانفصال أي ترحيب من قبل أي حليف شيعي حتى أن غالبية القادة السنة يرفضون هذا الأمر أو يحتفظون بأراءهم لتفادي إيجاد أي حساسية مع الحليف الكردي، حتى أن جميع دول العالم باستثناء الكيان الاسرائيلي لم يدعم انفصال كردستان العراق، بل على العكس حاربوه إعلاميا كما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال أن "وحدة العراق أمر يزداد أهمية"، حتى في أوروبا لم يلقى الاستفتاء أي ترحيب.
مما تقدم نجد أن أي انفصال على مساحة الأراضي العراقية لأي قومية كانت لا يصب في صالح العراق بل على العكس يؤزمه داخليا وخارجيا، وما هذا الاندفاع للحصول على الاستفتاء إلا مغامرة تاريخية قد تقود بلاد الرافدين وحضارتها إلى مزيد من التشظي والانقسام.