الوقت- على الرغم من أن الأزمة السعودية القطرية قد قسمت المنطقة إلى ما يشبه معسكرين واحد داعم لقطر والآخر يقف خلف السعودية، إلا أن بعض الدول بقيت مصرة على موقفها من عدم الدخول في هذا التقسيم الغير مجدي والذي قد يكون مضرا جدا بمصالحها لأسباب تتعلق بالأجندة السعودية والقطرية اتجاه تلك الدول.
العراق واحد من هذه الدول التي وقفت على الحياد، ولأسباب جيوسياسية استراتيجية سعت كل من السعودية وقطر (ولكل منهما أهدافه) لتعزيز العلاقة مع بغداد. فالعبادي كان موضع ترحيب سعودي خلال زيارته الأخيرة، وقطر أرسلت رسائل تؤكد سعيها للانفتاح إيجابيا على العراق وتؤكد نيتها إعادة فتح سفارتها في بغداد (ضمن إطار السعي لتأكيد سقوط مفاعيل الحصار السعودي).
أما الموقف العراقي الرسمي فقد أعلنه رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي اعتبر أن بلاده ضد سياسة الحصار لأي دولة حتى وإن كانت لا تتفق معها، ودعا في مؤتمر صحفي للكف عن دعم الإرهاب من قبل الدول كافة، مؤكدا أن العراق قد تمكن من الانتصار على الإرهاب وبات يمتلك حصانة ضده، كما ألمح أن بعض الدول لا تمتلك هذه الحصانة والعراق لا يريد لهذه الدول أن تعاني من الإرهاب.
كلام العبادي والموقف الواضح للحكومة العراقية من الوقوف ضد سياسات الحصار السعودية لقطر والموقف من الإرهاب كان يحمل في طياته رسائل كثيرة، حيث أعاد إلى الأذهان مرحلة بعد عام 2003 حيث لعبت الدول الخليجية بما في ذلك السعودية دورا سلبيا في الشأن الداخلي العراقي. دور اتسم بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي عبر دعم الجماعات المسلحة. مرحلة تعرض خلالها العراق الخارج من حكم صدام حسين لأبشع المؤمرات من قبل الدول الخليجية نفسها التي تتسابق اليوم من أجل استرضائه.
يُذكر أن قطر قد سربت مؤخرا تقريرا يفضح الدور السعودي في تمويل وتشكيل التنظيمات الإرهابية في العراق بعد 2003 ومنها تنظيما القاعدة وداعش الإرهابيين. التقرير يشير إلى أسماء القيادات التي بمعظمها سعودية والتي كانت تعمل في العراق في تلك الفترة.
هنا من الجيد الإشارة إلى الإحصاءات العراقية التي تؤكد أن حدود 2500 انتحاري من جنسيات عربية قاموا بعمليات انتحارية خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى اليوم داخل العراق، من بينهم أكثر من 500 انتحاري سعودي أي 20 % من الانتحاريين. أما قيادات الإرهابيين وما يعرف بشرعييهم فبمعظمهم سعوديون والسبب حسب تقارير أنهم يدركون أفضل من غيرهم الأساسات والخلفيات الفكرية العقائدية للتنظيمات الإرهابية النابعة من الفكر الوهابي.
على أي حال هذه الأزمة التي تعصف بالخليج اليوم لها فوائدها الأكيدة أيضا بالنسبة للعراق، حيث أن هذه الدول منشغلة عن التدخل في الملف العراق مما يتيح الفرصة لبغداد لاستكمال تحرير ما تبقى من مدينة الموصل من براثن تنظيم داعش الإرهابي، والاهتمام بالملفات الداخلية السياسية العراقية.
وعن السياسة الداخلية العراقية، وعلى الرغم من أن الموقف الرسمي غير منحاز لأي من أطراف النزاع الخليجي إلا أن الأطراف الداخلية منقسمة كل حسب مشربه. حيث أن هناك ما يشبه الكتلتين اليوم في الداخل العراقي واحدة مؤيدة لقطر والأخرى أهواؤها سعودية.
الطرف القطري يتمثل بأشخاص كرئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري وطارق الهاشمي وآخرون. في مقابل شخصيات كإياد علاوي المؤيد للطرف السعودي والذي يتحدث بلهجة سعودية حول العداء لإيران وانتقاد دولة قطر تحت ذرائع دعم الإرهاب مع إغماض العين عن الدور السعودي.
طبعا هذا ليس مستغربا من شخص إياد علاوي الذي ينتمي للمعسكر السعودي، وليس مستغرب منه مواقف انتقادية لإيران وقطر، خاصة أن السعودية قد طلبت من كافة حلفائها وأتباعها في المنطقة إظهار تأييدهم للسعودية بشكل علني كل حسب حجمه ودوره. في محاولة لملمة أوراق القوة السعودية وإظهار أن هناك رأي عام عربي مؤيد للسعودية وسياساتها. ويبقى الخطير أن علاوي يبدو أكثر نشاطا وحيوية لجهة إظهار مواقفه، وكأنه بدأ بالتحضير للانتخابات عبر حملة إعلامية واسعة تقوم بتغطية تحركاته وخطاباته في العراق وخارجه بشكل قوي وملفت (كما حصل خلال زيارته لمصر). وهذا ينذر بأن السعودية تراهن على شخص علاوي بتحقيق إنجاز ما خلال الانتخابات القادمة. ومن المؤكد أن السعودية قد مولت الأخير هذه الحملة التي لا يمكن لشخص مثله الخوض بها دون دعم مالي سعودي مباشر.
ختاما ورغم المخاوف والأخطار التي تتهدد العراق داخليا وخارجيا، يبقى الرهان الأساس على الشعب العراقي الذي تمكن من خلال وحدته وهبّته إبان دخول داعش إلى العراق من صد الهجوم والبدء بهجوم معاكس على التنظيم الإرهابي. وبات الجيش والقوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي قاب قوسين أو أدنى من تحرير كافة الأراضي العراقية من براثن التنظيم الإرهابي وإعلان النصر النهائي عليه.