الوقت - في خضم التصعيد المتسارع بين المقاومة اللبنانية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل الرد الحازم من حزب الله على الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة ضد لبنان، قدمت إحدى المنصات الإعلامية العبرية تحليلاً للوضع المضطرب في شمال الأراضي المحتلة.
حيث سلط موقع "واينت" الإسرائيلي الضوء على الضربات الصاروخية الدقيقة التي استهدفت قاعدة "رامات دافيد"، إحدى الركائز الاستراتيجية لسلاح الجو الإسرائيلي، وأكد الموقع أن هذا الهجوم على القاعدة الواقعة في مرج ابن عامر، كان نتيجةً حتميةً لتطورات الصراع الراهن.
وأوضح التقرير، بلغة تنمّ عن قلق عميق، أن حزب الله قد نفّذ عمليةً استخباراتيةً متقنةً، حيث أرسل طائرة استطلاع متطورة اخترقت المجال الجوي للكيان المحتل، ونجحت في رصد وتوثيق كل المواقع الحساسة، بدءاً من ثكنات الجنود ومساكن الضباط، مروراً بمسارات الطيران الاستراتيجية، وصولاً إلى مقر القيادة العسكرية العليا، وعقب هذه العملية الاستخباراتية الدقيقة، شرع حزب الله في توجيه ضربات محكمة إلى الأهداف التي حددها بعناية فائقة.
الشمال بأكمله تحت وابلٍ من صواريخ حزب الله
کشفت هذه المنصة الإعلامية الصهيونية: "في هذه الآونة، باتت كل أرجاء الشمال الإسرائيلي (الأراضي الفلسطينية المحتلة) تحت رحمة القذائف الصاروخية، وقد أخذ خط النيران يزحف نحو قلب البلاد، وفي خضم هذه الأحداث الجسام، تبرز قاعدة رامات ديفيد كقاعدة استراتيجية تحتضن ثلاثة أسراب من أحدث طائرات إف-16 المقاتلة، ويدرك جميع العاملين في هذه القاعدة تمام الإدراك، حجم الخطر المحدق بهم وبالمناطق المحيطة".
الجليل على صفيح ساخن
وفي سياقٍ متصل، كشف الموقع الإلكتروني العبري “والا” في تقريرٍ منفصل: "في ظل تصاعد وتيرة المواجهات في الشمال واتساع رقعة العمليات الصاروخية لحزب الله، فإن منطقة الجليل تعيش على وقع توترات حادة منذ عام كامل وحتى اللحظة الراهنة، وقد تعرضت مستوطنة متولا، على وجه الخصوص، لدمارٍ شامل، ولم يبقَ فيها سوى مدرسة واحدة صامدة في وجه العاصفة".
وفي هذا المضمار، أدلى "ديفيد أزولاي"، رئيس مستوطنة متولا، بتصريحٍ لإذاعة الكيان الصهيوني، مفاده بأن 50% من المنازل في هذه المستوطنة قد طالها الخراب والدمار.
في سياق متصل، كشف موقع "والا" الإعلامي عن تصريحات أدلى بها أحد المستوطنين الصهاينة، من قاطني مستوطنة متولا المتاخمة للحدود اللبنانية، حيث قال: إن الغياب الممتد لسكان مستوطنة متولا، مقروناً بالدمار الذي لحق بالمساكن والبنى التحتية، قد وضع هذه المستوطنة في خضم واحدة من أشد المحن التي عصفت بها عبر تاريخها".
وأضاف: "لقد ألفنا في هذه البقعة وابل الصواريخ، بيد أن ما شهدناه بالأمس كان على درجة استثنائية من الخطورة، إذ انهالت علينا صواريخ "بركان" الثقيلة، مخلّفةً وراءها دماراً هائلاً طال مساحات شاسعة من المنطقة".
وأردف الموقع في تقريره: "يلفّ الغموض موعد عودة قاطني المناطق الشمالية، ولا سيما مستوطنة متولا، إلى مساكنهم، وحتى في حال خمدت نيران الحرب، فإن إعادة إعمار هذه المناطق قد تستغرق سنوات طويلة، فخلال الأسبوع المنصرم، تعرضت هذه المدينة لهجوم عنيف بنحو ثمانية صواريخ من طراز "فلق 2"، ما أسفر عن تدمير ما لا يقل عن ثلاثين منزلاً، وفي هذه الآونة، تبذل الإدارة البلدية جهوداً حثيثةً لترميم المساكن المتضررة بقدر ما تسمح به الظروف الراهنة".
غضب عارم يجتاح مسؤولي مدينة حيفا المحتلة تجاه نتنياهو
في مشهد يعكس عمق الأزمة الراهنة، قام "نتانياهو إنجلمان"، المراقب العام لحكومة الكيان الصهيوني، بزيارة تفقدية إلى مدينة حيفا، حيث عقد لقاءً مع عمدة المدينة "يونا ياهاف"، وخلال هذا الاجتماع المشحون، أفصح العمدة عن غضب عارم تجاه حكومة الكيان، موجهاً سهام نقده الحاد نحو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص.
وبنبرة تنضح بالاستياء الشديد، أكد ياهاف أن نتنياهو وأركان حكومته قد تقاعسوا تماماً عن التواصل مع القيادات المحلية في حيفا، متجاهلين بذلك استقصاء احتياجات المدينة الملحة في خضم الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تعصف بها.
وفي سياق متصل، أدلى المراقب العام للحكومة الصهيونية بتصريحات مثيرة، قائلاً: "تعاني المناطق الشمالية من فراغ استراتيجي صارخ، إذ تفتقر بشكل جلي إلى خطط محددة المعالم في القطاعين الاقتصادي والتعليمي، فالسكان يرزحون تحت وطأة الحصار في منازلهم، يكابدون تداعيات استمرار الصراع بمرارة بالغة".
وأضاف: لا تزال الخلافات تستعر بين أقطاب المؤسسة الأمنية، حول تحديد الجهة المنوط بها الاضطلاع بمسؤولية إجلاء سكان المناطق الشمالية، علاوةً على ذلك، يغيب التخطيط الاستراتيجي الواضح لمعالجة أوضاع الشركات التي تكبدت خسائر فادحة، جراء التبعات الاقتصادية للحرب في الشمال".
وتجدر الإشارة إلى أن الرقابة العسكرية الصارمة التي يفرضها الكيان الصهيوني على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، قد فاقت بشكل ملحوظ نظيرتها في جبهة غزة منذ بداية الأحداث، فقد دأب هذا الكيان، بالتعاون الوثيق مع أذرعه الإعلامية، على حجب كل المعلومات المتعلقة بخسائره وأضراره في الجبهة الشمالية بشكل منهجي ودقيق.
ويرى خبراء التحليل الاستراتيجي أن "إسرائيل"، من خلال تعتيمها الإعلامي على خسائرها في الشمال، تسعى جاهدةً إلى رفع الروح المعنوية لدى المستوطنين، وإيهامهم بتحقيق انتصارات عسكرية وهمية.
إن هذا التشديد الملحوظ في الرقابة العسكرية من قبل سلطات الاحتلال، وإصرارها على طمس الحقائق الميدانية وإخفاء حجم خسائرها الفادحة في الجبهة الشمالية، يُعدّ دليلاً دامغاً على نجاعة العمليات العسكرية التي ينفذها حزب الله، وأن غالبية الأهداف المستهدفة هي في الواقع منشآت عسكرية بحتة، ولو كان الأمر خلاف ذلك، وكانت المقاومة اللبنانية تستهدف مراكز مدنية، لشهدنا حتماً حملةً إعلاميةً صهيونيةً ضخمةً تستهدف تشويه صورة المقاومة على الساحة الدولية.
علاوةً على ما سبق، فإن الإجراءات الرقابية المشددة التي تفرضها القوات الصهيونية على المعلومات المتعلقة بخسائرها في الجبهة الشمالية، تنبع من النجاح الباهر الذي حققه حزب الله في إنشاء نطاق أمني محكم داخل المناطق والأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
إن هذا الإنجاز الاستراتيجي المتمثل في إقامة حزام أمني من قبل قوات المقاومة داخل الأراضي المحتلة، يُعدّ سابقةً تاريخيةً لم تحدث منذ نكبة عام 1948، ما يشكّل ضربةً قاصمةً للعقيدة الأمنية الصهيونية، فهذه العقيدة تقوم على مبدأ أساسي، مفاده ضرورة نقل ساحة المعركة إلى أرض العدو، بينما نجحت المقاومة اللبنانية اليوم في قلب المعادلة رأساً على عقب، حيث أضحت المواجهة تدور رحاها داخل الأراضي المحتلة ذاتها.