الوقت- بعد غيابه لعدّة أعوام، عاد سيناريو اغتيال وزير خارجية السعودية، "عادل الجبير" عندما كان يشغل منصب سفير الرياض في واشنطن، العام 2011، إلى الواجهة من جديد.
العودة الجديدة أمريكية - سعودية. فقد نشرت وزارة الخارجية السعودية، مقطع فيديو لتصريحات وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس وتضمّن كلام ماتيس في مقابلة أجراها مع قناة CBS الأمريكية، الأحد، هجوماً واسعاً على إيران. فقد زعم الوزير الأمريكي أن "تدخلات إيران في كل ما يحدث بالمنطقة، وعن وقوف طهران المباشر خلف محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الخارجية عادل الجبير، عندما كان سفيرا للمملكة في واشنطن."
كشف ماتيس أنه يملك وثائق وإثباتات من المخابرات الأميركية تؤكد أن اغتيال الجبير كان مخططاً له ولم يكن حادثاً عشوائياً وألقى ماتيس الضوء على أن "عملية الاغتيال كانت موقعة من أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية".
لسنا هنا في وارد الأخذ والردّ في هذا السيناريو المفبرك، والتي تعلم السعوديّة وقبلها أمريكا أن لا اساس له من الصحة. ولو كانت تمتلك وثائق وإثباتات لكشفتها منذ زمن، إلا أن الهدف من هذا السيناريو حينها، وفق مراقبين، هو إيصال السفير السعودي إلى منصب وزارة الخارجية بعد إدراكهم بانتهاء أيّام الوزير السابق سعود الفصيل، وبالفعل نجحوا في ذلك.
أسباب عدّة تقف خلف تسليط الضوء مجدّداً على قضيّة الجبير، يمكن تلخيصها بالتالي:
أوّلاً: لعل السبب الرئيسي في المحاولة الأمريكية-السعوديّة الأخيرة هي "ايران فوبيا". منذ اليوم الأول نفت الجمهورية الإسلامية هذا الاتهام، مؤكدةً أن الهدف الرئيسي منه شنّ حملة إعلاميّة ضخمة عليها. الادعاء الأمريكي-السعودي وكما في المرّة الأولى دون تقديم أي أدلة، بل بغية إيجاد أرضية واسعة للهجوم الإعلامي على طهران.
ثانياً: تعزيز الشرخ الإيراني السعودي من قبل واشنطن. هذا ما أوضحه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، "بهرام قاسمي"، في معرض ردّه على الادعاءات الأخيرة فقد قال: "إن السياسات الامريكية الرامية إلى بث الفرقة بين الدول الاسلامية تشكل أحد الاهداف الاستراتيجية لهذا البلد وذلك في سياق الترويج لتهديدات وهمية ومزيفة لنهب ثروات شعوب المنطقة."
ثالثاً: تسليط الضوء مجدّداً وبعد خمس سنوات من الحادث المزعوم، ومن قبل وزير الدفاع الأمريكي، ولاحقاً وزارة الخارجيّة السعوديّة، يعدّ مقدّمة لهجمات إعلاميّة ضد ايران، ولكن كيف ستكون هذه الهجمات؟
رابعاً: يأتي هذا السيناريو بعد أيام على تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون یسمی ب"مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار"، الذين طالبوا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب باتخاذ المزيد من الخطوات الجادة لوضع حد للإرهاب الإيراني، حسب زعمهم. وقد قال بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو أحد معدي القانون المذكور: إن الولايات المتحدة "لن تسمح بأن يملي الاتفاق النووي سياستنا الخارجية في الشرق الأوسط". أيّ أنّهم يخشون من تبعات الاتفاق النووي الذي كشف للعالم التزام إيران وزيف كافّة ادعاءاتهم السابقة. هذا ما عبّر عنه كوركر بعبارة "لن نسمح بأن يملي الاتفاق النووي سياستنا الخارجية في الشرق الأوسط"، أي أن سياستهم مبينّة على التخويف من ايران"ايران فوبيا"، وقد وجدوا ضالتهم في السعوديّة.
خامساً: وبالتالي، لا نستبعد صدور عقوبات أمريكية جديدة باعتبار أن المشاريع الأمريكية ضدّ ايران قد زادت في الأيام الأخيرة لناحيتي الكم والنوع، خاصّة في ظل التزامن القائم بين السيناريو الجديد والتحرّك القائم في الكونغرس الأمريكي. في الحقيقة، تسعى أمريكا اليوم بعد فشلها في إيجاد أي خلل بالاتفاق النووي لتحويل سير العقوبات نحو أمر آخر كالملف الصاروخي وأنشطة إيران وسيناريوهات مفبركة أشبه بالهوليودية كقضية محاولة اغتيال الجبير.
سادساً: ربّما يعتقد البعض أن هذا الكلام يأتي من قبل المسؤول الأمريكي، بعد ايام قليلة من زيارة رئيس هذا البلد إلى السعودية، في سياق الردّ الجميل علي بذخ المسؤولين السعوديين خلال زيارة الوفد الأمريكي، عبر تكرار مزاعم سابقة ضد إيران. ربّما، ولكن ما هو أدقّ محاولة وزيرالدفاع الأمريكي تبرير صفقات السلاح التي لاقت اعتراضاً في الكونغرس الأمريكي. وهذا ما يفسّر صدورها اليوم عن وزير الدفاع وليس الخارجيّة الأمريكية كما كان معتاداً في السابق.
في الحقيقة، ورغم كافّة الأسباب الآنفة الذكر، أثبتت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية قدرتها على تغيير المعادلات الإقليمية بما يصب في صالح أمن واستقرار شعوبها. إيران في النقطة المواجهة تماماً لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، هذا البلد المسؤول عن الإرهاب وعدم الاستقرار القائم منذ زمن، وقد ارتفع منسوبه بشكل لافت بعد احتلال العراق وما تلاه.
لذلك، وبعد أن أثبتت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التزامها بالاتفاق النووي، هناك محاولات أمريكية بشتّى الطرق لتأليب الرأي العالمي على الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية بما يتماهى مع المشروع الأمريكي.
ربّما يعتقد البعض أن هذا الأمر هو دليل ضعف، لا بل على العكس تماماً، فكلّما يعلوا الصوت الأمريكي ضد طرف ما، أيّ كان هذا الطرف، فهذا يعني أن واشنطن غير قادرة على فرض شروطها عليه أو ضمن منطقته وإقليمه، وهذا ما يفسر لجوئها إلى سياسة ايران فوبيا، رغم اتكاء النظام الإيراني على قاعدة شعبية نادرة شاهدناها في الانتخابات الأخيرة.