الوقت- لم تكن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعيدةً عن وضع العلاقات السياسية بين الرياض وطهران في ظل الإشتباك القائم في العديد من الملفات الإقليمية، بل أتت لترسّخ جوهر الخلاف السعودي-الإيراني في مختلف ملفات المنطقة.
لم يلتزم الجبير بسمته الدبلوماسيّة، كما لم يلتزم بالعرف الدبلوماسي بالتصويب على إيران من بلد إستضافه، حيث أوضح الوزير السعودي في مؤتمره الصحفي مع نظيره الأردني في العاصمة الأردنية عمان أن "المملكة تعمل على التصدي لأعمال إيران المشاغبة في المنطقة"، مضيفا أن التحركات السعودية ساعدت في تقليص تدخل إيران ونفوذها الإقليمي في اليمن ودول أخرى. ولم تتوقف إدعاءات الجبير عند هذا الحد بل أكد أنهم "مصرون ألا يكون لإيران تدخل سلبي في المنطقة أو في الدول العربية". كما أشار الوزير السعودي إلى أن تنظيم داعش الإرهابي يرتكب جرائمه ضد كل العرب ولكنه لم يهاجم إيران. فما هي قصّة الجبير مع طهران؟ وما هي أسباب ودلالات هذه التصريحات ؟
شخصية الجبير
لا يمكن فصل تصريحات الجبير عن شخصيته، اذ يكنّ وزير الخارجية السعودي الحالي حقداً أعمى على إيران إنطلاقاً من تربيته الأمريكية التي روّجت لمحاولة إغتياله من قبل ايران عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن. ويجمع عادل الجبير السعودي المظهر الأمريكي الجوهر في شخصيته الكره السعودي لطهران من ناحية، والمكر الأمريكي تجاه الإيرانيين من ناحية أخرى، كما أنه نجح من خلال الرضا الأمريكي بالوصول إلى منصب وزارة الخارجية "فائق الحساسية" لدى الرياض. لم يتوان الوزير السعودي في يوم من الأيام عن التسبيح بحمد واشنطن، حتى أنه عندما كان يهاجم طهران من عمّان، لم ينس ذكر وليّ نعمته الأمريكي إذ إعتبر أن علاقات الرياض مع واشنطن تعد استراتيجية.
أسباب ودلالات
صحيح أن لشخصية الجبير دوراً مساعداً في توتير العلاقات بين طهران والرياض، إلا أن حصّة الأسد في هذه التصريحات تعود لتأزم العلاقات بين البلدين بدءاً من سوريا والعراق وليس إنتهاءاً باليمن والمفاوضات النووية، لذلك تشير التصريحات العدائية لوزير الخارجية السعودي إلى الأسباب والدلالات التالية:
أولاً ترتكز السياسة الخارجية للسعودية حالياً على مهاجمة ايران، حيث يعتبر التصويب على طهران بمثابة قربان يقدّمه الطامحون إلى التقرّب من العائلة الحاكمة وأمريكا في آن واحد. والسياسة السعودية آنفة الذكر لا تنحصر في الداخل فحسب، بل تجري على العديد من دول المنطقة. في هذا السياق، وبما أن الجبير رغم تزعّمه لقيادة الدبلوماسية السعودية لا ينتمي إلى العائلة الحاكمة، يتوجّب عليه التصويب نحو طهران لكسب ودّ الملك سلمان والابن محمد، وبالتالي كسب الودّ الأمريكي والسعودي سويةً.
ثانياً بخلاف المشروع الإيراني الوحدوي، تقود السعودية المشروع التقسيمي في المنطقة حيث تتقاطع رغبتها مع الجماعات التكفيرية في تقسيم سوريا والعراق، وإن إختلفت الأسباب فيما بينهم، لذلك يرى الجبير في إنتصارات مشروع محور المقاومة هزيمة للمشروع السعودي-الأمريكي.
ثالثاً الهزيمة السعودية في عدوانها على الشعب اليمني، يدفع بها للتصويب على طهران لشدّ العصب الطائفي ضد الشعب اليمني بأكمله. وقد حاولت السعودية إستغلال دعم طهران للشعب اليمني المظلوم عبر تحويره طائفياً للإستفادة منه ميدانياً عبر تنظيم القاعدة في اليمن.
رابعاً رغم المليارات التي أنفقتها السعودية في سبيل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، نجح محور المقاومة عموماً وايران على وجه الخصوص في ضرب المشروع السعودي في سوريا. عراقياً أيضاً، ساهم الدعم الإيراني للشعب العراقي في دحر تنظيم داعش الإرهابي من العديد من مناطق العراق، وبالتالي إسقاط المشروع السعودي التقسيمي والتفتيتي لكافّة دول المنطقة.
خامساً لم تقتصر بذور الفتنة السعودية على الطائفية منها، بل حاول الجبير إستغلال البعد العرقي(عرب وفرس) في تصريحاته الأخيرة، عندما قال "إن تنظيم داعش الإرهابي يرتكب جرائمه ضد كل العرب ولكنه لم يهاجم إيران". السعودية تحاول بشتى الوسائل مواجهة ما تعتبره تمدّداً ايرانياً، وإعطاء أهمية للبعد العرقي في الخلاف السعودي الإيراني قابل للإرتفاع اذا ما حصل أي إتفاق نووي بين ايران والدول الست. وترى السعودية أن الإتفاق سيكون على حساب مصالحها مع ان طهران أكدت مراراً وتكراراً أن أي إتفاق لن يكون على حساب أحد في المنطقة.
سادساً حاول الجبير الإستفادة من الظرفين الزماني والمكاني لإطلاق هذه التصريحات العدائية تجاه طهران، إذ أنها أتت من جارة فلسطين الأردن حيث يتواجد ملايين الفلسطينيين، كما أنها جاءت عشية يوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني. الجبير يحاول تشويه صورة ايران لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن خدمةً لمن؟ للقضية الفلسطينية أم للكيان الإسرائيلي؟