الوقت- خلال الأيام الثلاثة الماضية شهدت منطقة الشرق الأوسط وتحديدا مثلث "العراق تركيا سوريا" مجموعة من الأحداث والتطورات ابتداءا من تحرير الحشد الشعبي لمدينة الحضر الأثرية في الموصل مرورا بالغارات الجوية التي شنتها تركيا على مواقع سورية وعراقية بذريعة استهداف المسلحين الأكراد هناك، وصولا لما حدث صباح اليوم في محيط مطار دمشق من انفجارات ضخمة لاتزال مجهولة الأسباب حتى هذه اللحظة على الرغم من أن أصابع الاتهام تشير إلى أن طيران الكيان الاسرائيلي هو من نفذ هذه التفجيرات.
وإذا عدنا إلى الضربة التركية الأخيرة والتي استهدفت جبل سنجار شمال العراق وجبل قره تشوك في سوريا، نجد أن صداها ما زال يتردد في الأوساط السياسية والإعلامية العربية والعالمية كما أن حملات الإدانة لاتزال مستمرة لهذا العدوان الذي اعتبره الكثير من الدول اعتداءا سافرا على دولتين ذات سيادة وانتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وهنا يأتي السؤال التالي كيف ستتمكن أمريكا الحليفة لتركيا والأكراد في نفس الوقت من خلق نوع من التوازن في علاقتها مع الحليفين، خاصة أن تركيا ماضية في سياستها العدوانية تجاه الأكراد ساعية في الوقت نفسه لاحتلال ثلاث مدن في الموصل في مرحلة ما بعد "داعش" كما أنها تعمل على تأجيج الصراع بين مختلف المجموعات الكردية على مبدأ "فرق تسد".
وبين أراء متفاوتة وتصريحات متضاربة من الداخل التركي ومسؤوليه الذين تارة يقولون بأن الغارات جاءت لتستهدف قوات حزب العمال الكردستاني وبأنهم لايريدون استهداف البشمركة وتارة يصرحون بأنهم أبلغوا كل من رئيس اقليم كردستان وروسيا وأمريكا قبل الغارات، تخرج علينا امبراطورية الإعتذار وتقدم اعتذار باسم الحكومة التركية لاقليم كردستان عبر قنصليتها هناك لقيام الطائرات التركية بقصف موقع لقوات البشمركة في سنجار بشكل خاطئ، وتعهدت بعدم تكراره، كما عبرت عن استعداد تركيا لمعالجة البشمركة الذين أصيبوا في القصف.
إلا أن مصادر محلية أكدت أنه على عكس المزاعم التركية التي ادعت أنها لم تنوي سوى استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني، فقد أكدت المصادر أن تركيا بالإضافة لاستهدافها البشمركة ووحدات حماية الشعب، استهدفت المدنيين ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا من أطفال ونساء .
من ناحية أخرى تعمل تركيا حاليا على تأجيج الفتنة العرقية والطائفية في الموصل، وخصوصا الصراع بين الأحزاب الكردية في سنجار والموصل، كما تسعى لاستعادة هيمنتها على الموصل واسترجاع امبراطوريتها العثمانية هناك.
وفي هذا الصدد، حذر الاتحاد الوطني الكردستاني، من أن تركيا تخطط لاحتلال ثلاث مدن في الموصل شمال العراق وهي " تلعفر وسنجار وبعشيقة" بالتزامن مع تحرير الموصل.
وقال مسؤول اعلام مركز تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل غياث السورجي إن "تركيا تعمل على فرض سيطرتها على الموصل عبر احتلالها تلعفر وسنجار وبعشيقة بالتزامن مع تحرير المحافظة من داعش".
إلا أن ذلك لن يحدث لسببين:
الأول: يتمثل بوجود قوات الحشد الشعبي هناك التي تشكل قوة كبيرة من ناحية التنظيم والعتاد العسكري والقدرة القتالية بالإضافة للحاضنة الشعبية لها، حيث ساهمت هذه القوات في تحرير أغلب مدن الموصل وغيرها من المناطق العراقية، وبالتالي لن تسمح لتركيا بإعادة امبراطوريتها على حساب دماء شهدائها ودماء الشعب العراقي أو أن تكرر تجربتها السابقة مع قبرص في العراق عام 1974 واحتلالها 35% من أراضي الجزيرة.
الثاني: يعود لكون أمريكا البراغماتية لن لتسمح لأي حليف لها بأن يعارض مصالحها في المنطقة، وكلنا يعلم بأن الولايات المتحدة تسعى عبر قنواتها الدبلوماسية لكسب رضى الدولة العراقية في الوقت الحالي لتمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق في مرحلة ما بعد "داعش" ، بالإضافة إلى أن واشنطن لن تخسر حليفها الكردي الذي يؤمن لها انتصارات ميدانية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وفي الوقت نفسه لاتريد أن تخسر حليفها التركي، فهل يستطيع البيت الأبيض وغرفه السرية إدارة هذه المعادلة المعقدة وتقديم التنازلات لحليف على حساب الآخر، ربما القادم من الأيام أصدق أنباءا من التكهنات المسبقة.
وفي الختام أصبح بإمكاننا القول بأن الإنتصارات المتتالية للجيش العراقي والحشد الشعبي أعادت للعراق دوره البناء في الشرق الأوسط وغيرت الكثير من المعادلات التي كان يحلم بها العم سام وحلفائه وأذرعه في المنطقة، لينتصر أبناء الأرض على كل قوى الظلام وعلى رأسها التنظيم الإرهابي "داعش" مسطرين أروع البطولات رافعين علم بلادهم على مبانيهم ومؤسساتهم لتشرق شمس العراق من جديد فاسحة المجال أمام مستقبل جديد لطالما تمناه العراقييون الذين عانوا الأمرين من حجم المؤامرات التي حيكت ضد بلادهم.