الوقت- تتوالى قضيّة الهجوم الكيميائي على مجزرة خان شيخون في محافظة إدلب فصولاً. ورغم تبادل الاتهامات حول حقيقة الهجوم، سارعت بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن كأمريكا وبريطانيا وفرنسا لتوزيع مسودة مشروع قرار يدين استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون جنوب إدلب.
المشروع الجديد وُضِعَ تحت ما يعرف بالإجراء الصامت قبل ساعة من بدء جلسة مجلس الأمن المفتوحة، إلا أن مفاعيله الإعلاميّة وُضِعَت تحت إجراء مدوّي يهدف لاستثمار الحادث بكافّة السبل.
لا شكّ أن الهجوم بغاز السارين هو فعلٌ مُدان عن أيّ جهة صدر، ففي حين تتّهم المعارضة الجيش السوري بذلك، أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف بأن القوات الجوية السورية قصفت مستودعا للذخيرة تابعاً للإرهابيين في خان شيخون بريف إدلب، يحتوي على أسلحة كيميائية وصلت من العراق.
لا بدّ من محاسبة من ارتكبوا هذا الهجوم، لأيّ جهة انتموا، إلا أن الاتهامات المعدّة مسبقاً ودون التحقّق من الجهة المنفّذة يؤكد أنّ الهجوم قد حصل بناءً على أوامر مسبقة من جهات خسرت من التقدّم السوري على جبهات حماه وبقيّة خطوط المواجهة. فلماذا يتمّ استبعاد الإرهابيين رغم أن أعراض التسمم التي لحقت بالمدنيين في خان شيخون والتي ظهرت في مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، مشابهة تماما لتلك التي أصابت المدنيين خريف العام الماضي والتي ألقاها الإرهابيون في حلب؟، وفق ما أوضحت وزارة الدفاع الروسيّة.
بعيداً عن الحساب والعقاب، ما بدا لافتاً بعد الهجوم هو تهافت الجميع على استثماره، وفي مقدّمتهم فرنسا، غافلين عن عشرات الهجمات السابقة، وهنا لا بدّ من استذكار بعض هذه الهجمات، منها:
أوّلاً: لماذا كانت فرنسا وبريطانيا وكأن على رؤوسهم الطير بعد هجوم التحالف الدولي. أيّ لماذا لم تتحرّك فرنسا وبريطانيا وأمريكا ساكناً بعد مجزرة التحالف الدولي الأخيرة في الموصل رغم اعتراف الأخير؟ هذه المجزرة التي راح ضحيّتها المئات لم تلقى حتّى إدانة عربيّة!
ثانياً: لماذا لم تطالب فرنسا بعقد جلسة مماثلة بعد مجزرة السعوديّة في الصالة الكبرى في العاصمة صنعاء، والتي راح ضحيّتها نحو ألف شهيد وجريح؟ لماذا لم يحصل إجراء مماثل بسبب عشرات المجازر المرتكبة بحقّ الشعب اليمني منذ بدء العدوان السعودي على اليمن عام 2015؟
ثالثاً: لماذا لم تتقدّم هذه الدول بطلبات مماثلة حيال كافّة المجازر المرتكبة من قبل التحالف الدولي في سوريا والعراق، أو من أمريكا في أفغانستان؟. تشير بعض التقارير إلى أن"العدد الإجمالي للأشخاص الذين قضوا بضربات التحالف في سوريا والعراق يتجاوز 1500 قتيل"، وفق تقرير صدر عن منظمة "إيروورز" غير الحكومية -ومقرها في لندن- في منتصف العام 2015؟
رابعاً: لماذا لم تتقدّم هذه الدول بطلب عقد جلسة أثناء الضربات الأخيرة ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن والتي راح ضحيّتها عشرات المدنيين؟
خامساً: لماذا لم تثأر هذه الدول للشعب الفلسطيني الذي تعرّض لأبشع المجازر في الاعتداءات الإسرائيلية على غزّة في كانون الثاني 2009 "الرصاص المصبوب"، تشرين الثاني 2012 "عمود السحاب" وتموز 2014 "الجرف الصامد"؟
نكتفي بهذا القدر من التساؤلات، رغم إدراكنا المسبق أنّها لن تلقى آذاناَ صاغية من الجهات المعنيّة، إلا أن طرحها بغية إيضاح سياسة الكيل بمكيالين في أزمات المنطقة حيث يحقّ للدول الغربيّة ما لا يحقّ لأبناء منطقتنا. ليس ذلك فحسب، بل يرفعون شعار مكافحة الإرهاب بعد كل مجزرة يرتكبوها!
وأما عن مرحلة ما بعد الهجوم يبدو واضحاً محاولة استغلاله من قبل الفصائل المسلّحة وفي مقدّمتها جبهة "فتح الشام" فرع تنظيم "القاعدة" بسوريا التي دعت إلى "إشعال الجبهات" ردّاً على المجزرة المزعومة. العودة إلى الجبهات يسمح لهؤلاء بالهروب من طاولة الحوار في أستانا أو جنيف لأن اليد السورية ستكون هي العليا في هذه المفاوضات نتيجة لوقائع الميدان الأخيرة في حماة، والتي أرادت منها الجماعات المسلّحة، ومن يقف خلفها، الضغط على الجيش السوري.
يبدو أنّ هناك مشروع لاستدراج الجيش السوري بغية تصفية الانتصارات التي حقّقها بدءاً من حلب، وليس انتهاءً بحماة، وبالتالي تمرير المشروع الأمريكي الجديد في سوريا وفي مقدّمته إيجاد مناطق عازلة، ولاحقاً مشروع التقسيم.
لا نستبعد فرض قيود جديدة على سوريا، لا أقصد العقوبات، بل الحدّ من الغارات الروسيّة والسوريّة ضدّ الجماعات المسلّحة. ليس ذلك فحسب، بل يعد هذا الأمر فرصة ذهبية لمنع أي تسوية مع موسكو والحكومة السورية، خاصّة بعد الموقف الأمريكي الأخير حيال الرئيس الأسد، وقد بدا هذا الأمر واضحاً إثر تحميل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره السوري بشّار الأسد مسؤوليّة المجزرة.
عوداً على بدء، ما يمكن استخلاصه بشكل واضح من قضيّة خان شيخون، وبإجماع من كافّة أطراف، والدولة والمعارضة على حدّ سواء، هي برغماتيّة الغرب وازدواجيّة معاييره في مقاربة الأزمة السوريّة.