الوقت- خرج "روبرت ويندرم" و "ويليام إركين"، للحديث عن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأخيرة الى الرياض، والتي حفلت بلقاءاتٍ عديدة وبارزة مع المسؤولين الأمريكيين. وهو الأمر الذي يمكن من خلاله فهم حجم الإهتمام الذي یحظيه بن سلمان، وكيف تنظر إليه واشنطن. وقد حمل المقال للكاتبين عنوان، "U.S. Officials Fear Saudi Collapse If New Prince Fails"، أي ما ترجمته، "خشية المسؤولين الأمريكيين من إنهيار السعودية وفشل الأمير الشاب"، وقد نشره موقع "أن بي سي نيوز" المتخصص بمتابعة شؤون السياسية الدولية من واشنطن. وهنا ومن خلال المقال، يمكن استنتاج عدة مسائل، لا تغيب عن الرؤية الأمريكية، وإن كانت تحليلية بحسب الكتابين. وهو ما يمكن سرده بتصرف فيما يلي.
يعتبر التقرير أن محمد بن سلمان، استطاع الفوز بالصراع الحاصل بين أفراد العائلة الحاكمة حول السلطة، لا سيما بينه وبين محمد بن نايف. فيما أبرز التقرير حجم القلق من وصوله الى الحكم، في حال حصل ذلك، حيث سيكون ذلك مُضراً على الأمن الإقليمي بحسب تعبير الكاتبين. لذلك فإن "بروس رايدل"، ضابط الإستخبارات الوطنية الأمريكية السابق في الشرق الأوسط، والعضو الحالي في الفريق الإنتقالي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، اعتبر أن المسؤولين الأمريكيين بحاجة للتعرف على الرجل الذي قد يكون ملكاً للسعودية. مُبرزاً قلق الكثيرين من تهور بن سلمان. وهو الأمر الذي يجعل المسؤولين في الإدارة الأمريكية يعتقدون بأن السعودية تعيش حالةً من التحول السياسي المفصلي، بحسب التقرير، وهي على مُفترق طرق، قد يؤدي الى الفوضى.
ولم يكن التقرير بعيداً عن ما وصفها بمجازفات إبن سلمان، خصوصاً الإقتصادية والسياسية، والتي ترتبط بالوضع المحلي والإقليمي للسعودية. خصوصاً مسألة إستمرار الرياض بزيادة عرض النفط، للتأثير على دول معينة كإيران وروسيا، في حين عاد ذلك عليها بالنتائج السلبية. وساهم في إجبار الرياض على الدخول في مخاطر إجتماعية داخلية تتعلق بتخفيض الخدمات الإجتماعية. كما اضطرت السعودية وبسبب سياسات بن سلمان، للإستدانة بشكل كبير، وهو ما لم يحصل منذ سنوات.
ثم عرَّج التقرير على طريقة التعاطي السلبي لإبن سلمان في الملفات الإقليمية والسياسة الدولية. لا سيما ما يتعلق بملف العلاقة مع إيران كدولةٍ مُتعاظمة. خصوصاً بعد أن ساهم الأمير السعودي بتنفيذ حكم الإعدام على الشيخ نمر النمر بداية العام 2016. وهو ما اعتُبر حينها بحسب التقرير، بوابةً لمشكلةٍ قد لا يكون من السهل حلُّها، لو غضبت إيران.
وهنا فلم يغب عن التقرير محاولة التأكيد على أن بن سلمان، ومن خلال لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، رسَّخ نفسه ليكون ولي العهد المُحتمل الحقيقي. كما ان الأمريكيين ساهموا في إنجاح زيارته، لإظهاره الى الواجهة، وجعله مُرشحهم المستقبلي.
ووفقًا للتقرير، فإن مستوى الأهمية التي توليها واشنطن لبن سلمان، ظهرت في برنامج لقاءاته. إذ أن أغلب المسؤوليين المفصليين في الإدارة الأمريكية، التقوا الرجل الذي وصفه التقرير بأنه "لا يجيد الإنكليزية". فقد التقى وزير الخارجية الأمريكي، ومدير السي أي أي، ومدير المخابرات الوطنية ورئيس مجلس النواب ووزير التجارة الأمريكي. حيث حضرت في النقاشات، التهديدات التي يمكن أن تضرب السعودیة كتهديد التنظيمات التكفيرية، دون التطرق الى مسألة الكيان الإسرائيلي. كما أن الحرص الأمريكي على إقتصاد الرياض، ظهر في محاولة المسؤوليين الإقتصاديين عرض شراكتهم في إدارة رؤية 2030 التي تبناها بن سلمان لإصلاح الإقتصاد السعودي. وذلك لبناء أرضيةٍ تجذب الشركات الأمريكية الراغبة في الإستثمار في السعودية.
وأخيراً أكد التقرير على أنه رغم التفضيل الكبير الذي أولته واشنطن لبن نايف طوال السنوات الماضية، ودعمها له كرجلها في الرياض، نتيجةً لفهمه العميق للسياسة الدولية وقدرته على لعب دور السياسي البراغماتي بحسب تعبير التقرير، فيبدو أن الأمور تغيرت، ليكون المستقبل لصالح بن سلمان.
إذن، لم تعد واشنطن بحاجة لتبرير خياراتها. بل إن سياسة تجميل الأمور أصبحت غير مطلوبة في زمنٍ يقود العالم أشخاصٌ متهورين كأمثال ليبرمان في تل أبيب وبن سلمان في الرياض، وغيره من الشخصيات التي تميَّزت بتهورها ومواقفها المتطرفة، ناهيك عن قلة خبرتها السياسية. وهنا فإن المرشح الأمريكي ترامب، لا يكاد يكون بعيداً عن النموذج الأمريكي الذي يُمثِّل ذلك. في حين أثبت المقال الذي أوردناه - وإن كان وصفاً تحليلياً لزيارة بن سلمان بحسب الكاتبين - بأن واشنطن تتعاطى بلغة إدارة الواقع الموجود، كعادتها في التعاطي مع إدارة الأزمات. وإلا فلماذا تفتح واشنطن أبوابها بالطريقة التي حصلت، لولا رغبتها بذلك؟ وهي التي رأينا كيف تعاطت إدارتها مع أردوغان الحليف التركي لأمريكا، عندما أرادت إيصال رسالةٍ له، حين قرَّر التمرُّد على سيادة واشنطن.
لنقول أن أمريكا التي تُقاتل من أجل إسقاطٍ أنظمةٍ معينة تحت عناوين برَّاقة، كتحرير الشعوب من الديكتاتورية، تسعى لترسيخ أنظمةٍ أخرى تجدها حليفاً لها، على الرغم من اعترافها بأنها لا تستحق. خصوصاً أن تصريحات أوباما حول سياسات الرياض لا سيما في حقبتها الحالية تحت قيادة الملك سلمان، ما تزال تصدح في أروقة الإعلام العالمي، والتي أحدثت توتراً في العلاقات بين الرياض وواشنطن. لكن يبدو أن البراغماتية الأمريكية المُعتادة، لا تستحي من تغيير الأولويات، بحسب المصالح. لذلك فقد كانت زيارة بن سلمان لأمريكا، مثالاً واضحاً، لإزدواجية المعايير الأمريكية، والتي كان شعارها: "على الرغم من تهوُّره نُريده".