الوقت- يعدّ جيشا مصر وسوريا من أعرق الجيوش العربيّة. ورغم انتزاع الجيش الجزائري أو المغربي لقب أقوى الجيوش العربية من الجيش المصري، إلا أن تاريخ الجيشين السوري والمصري في حربي حزيران 67 وتشرين/أكتوبر 73 رجّحت كفّة هذين الجيشين على الصعيد العربي، لاسيّما الشعبي.
ولطالما شكّل هذا الجيشان هاجساً أساسيّاً للكيان الإسرائيلي، نظراً للتشابهات القائمة بينهما على الصعد كافة، والتي سنحاول مطالعتها في ثنايا هذا المقال.
كثيرة هي التشابهات والقواسم المشتركة بين الجيشين المصري والسوري، ليس آخرها الإنجاز النوعي للجيش المصري المتمثّل بالقضاء على 14 تكفيرياً في قصف جوي في شمال سيناء، من ضمنهم "أبو أنس الأنصاري" أمير "أنصار بيت المقدس" الذي بايع "داعش" في سيناء المصريّة.
لا تقتصر التشابهات على الحاضر، بل على تاريخ يحفل بآلاف الشهداء على جبهات المواجهة المشتركة مع الكيان الإسرائيلي. فحين تعرّضت مصر للعدوان الثلاثي 1956 امتزج الدم السوري بالمياه المصرية.
قواسم ومشتركات
بعيداً عن التاريخ والجغرافيا التي جمعت الجيشين السوري والمصري على جبهات مشتركة، هناك جملة من القواسم المشتركة الأخرى لا بدّ من ذكرها، وهي كالتالي:
أوّلاً: ينخرط الجيشان منذ سنوات في مواجهة الإرهاب التكفيري، وقد نجح كلا الطرفان في توجيه ضربات قاصمة لهذا النوع الجديد من التحدّي المشترك. كما كان الكيان الإسرائيلي عدوّاً مشتركاً لكلا الجيشين، فإن الإرهاب التكفيري هو اليوم كذلك.
ثانياً: من الناحية العقيديّة لكلا الجيشين هناك تقاطع كبير يبدأ بالوطنية ويمرّ عبر القومية العربية، ولا يتنهي عن حدود عروبة فلسطين دون التنازل عن أي شبر من التراب العربي قصر الزمن أم طال. هذه العقيدة، عقيدة القتال، تعتبر أهم ما في الجيوش، وهي السبب في صمود الجيش السوري لسنوات. فالجيش الأمريكي ورغم تفوّقه النوعي من الناحيّة التسليحيّة، إلا أن وزير دفاعه الأسبق "ماكنمارا" أقرّ بأن "انخفاض الروح المعنوية للمقاتلين" هو سبب هزيمته في حرب الفيتنام.
ثالثاً: تعدّ وحدة التراب السوري والمصري من أهمّ المشتركات بين الجيشين ويعتبر ركناً أساسيّاً في هذين الجيشين. فبفضل البناء العقائدي القوي نجح الجيش السوري في البقاء موحّداً وفشلت كافّة الدول رغم المليارات التي تمّ ضخّها في إيجاد انشقاقات كبيرة يعوّل عليها. وهذا ما لمسناه في مصر بعد بدء ما يسمى بالربيع العربي، ولاحقاً بعد عزل الرئيس السابق محمّد مرسي.
رابعاً: يغلب الطابع العلماني على كلا الجيشين، وهذا ما حال دون اختراقهما من الجماعات التكفيريّة، وفق بعض المراقبين. يوضح مراقبون في الشأن العسكري أن الطابع العلماني هو الذي حال دون انحياز الجيش للخطابات المذهبيّة الطائفيّة التي اعتمدتها بعض القوى في سوريا ومصر، فحجم الانشقاقات لا تقارن بحجم التجييش الطائفي والمذهبي.
خامساً: من القواسم المشتركة أيضاً هي تفتيت الجيوش العربية التي واجهت الكيان الإسرائيلي، كمصر وسوريا والعراق. نجح الجيش الأمريكي في تفتيت الجيش العراقي، وبناء جيش جديد هو أشبه بالشرطة أكثر منه إلى الجيش، وقد بدا هذا الأمر واضحاً عام 2014 مع احتلال تنظيم داعش الإرهابي للموصل. لاحقاً أرادت واشنطن ومن خلفها الكيان الإسرائيلي، تنفيذ السيناريو نفسه ضد الجيش السوري ولكن هذه المرّة عبر الوكيل التكفيري، بغية إسقاط الجيش وبناء آخر أشبه بالشرطة، لا يرتبط بعقيدة العداء للكيان الإسرائيلي. وهذا ما يُخطط أيضاً للجيش المصري، الذي كان يعدّ سنداً قويّاً للجيشين السوري والعراقي.
في الخلاصة، إن الجيشين السوري والمصري يقاتلان الآن وبعد 44 عاماً على انتصار "حرب أكتوبر" عدواً واحداً، إلا أنّه سابقاً كان الأصيل الإسرائيلي وحاليّاً الوكيل التكفيري. سابقاً كان خارجيّاً إرهابيّاً صهيونيّاً، واليوم داخلياً إرهابياً يرتدي زيّاً إسلاميّاً.
لا شكّ أن انتصار الجيش المصري في سيناء هو انتصار للجيش السوري، كما أن أي انتصار للجيش السوري في حلب، حمص، إدلب، حماه أو درعا هو بمثابة الانتصار للجيش المصري، تماماً كما كان الحال قائماً عند عبور الجيش المصري لقناة السويس وتوغّله داخل سيناء، وكذلك دخول القوات السوريّة إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا في حرب تشرين/أوكتوبر.
باختصار، ولو بشيء من التسامح في التعبير، الجيشان السوري المصري يستكملان حرب 1973 الآن سويّةً، كما كان الحال منذ 44 عاماً، بعقيدة واحدة لم تتغير ولا تزال تعتبر "إسرائيل" هي العدو.