الوقت - تعتبر منطقة شرق آسيا من المناطق المهمة والحساسة في العالم بسبب تنافس القوى الكبرى خصوصاً أمريكا وروسيا والصين على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة لاسيّما في الوقت الحاضر، حيث تسعى كل من بكين وموسكو لمنع تمدد الوجود الأمريكي، فيما تسعى واشنطن لتحقيق التفوق على هاتين القوتين في شتى المجالات.
وبسبب إصرار كوريا الشمالية على تطوير برنامجها النووي والصاروخي تفاقمت الأزمة السياسية والعسكرية في شرق آسيا والمحيط الهادئ إلى الحد الذي جعل القوى الكبرى تتخذ مواقف متباينة من هذه الأزمة، والتي انعكست بشكل مباشر على طبيعة هذه المواقف وفقاً للاستراتيجيات التي تتبناها هذه القوى في عموم المنطقة.
وعمدت واشنطن في الآونة الأخيرة إلى نشر منظومة صواريخ ثاد "THAAD" للدفاع الجوي في أراضي كوريا الجنوبية بذريعة مواجهة التهديدات المحتملة للبرنامج الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية.
وكان من المقرر أن تنشر واشنطن هذه المنظومة في أواخر العام الجاري (2017) لكنها عجّلت في تنفيذ هذا الأمر بسبب تذبذب الأوضاع السياسية في كوريا الجنوبية على خلفية إقالة رئيستها "بارك كون هيه" بتهمة الفساد واحتمال مجيء حكومة جديدة تعارض نشر هذه المنظومة.
ومنظومة "ثاد" تعد من المنظومات الأكثر تطوراً في العالم، فهي تطلق صواريخ معدة لتدمير صواريخ باليستية في المرحلة الأخيرة من التحليق عندما تكون خارج الغلاف الجوي تماما أو عند اختراقها له.
وهذه المنظومة متوافقة مع مكونات أنظمة BMDS، مما يجعلها تتقبل البيانات التوجيهية من الأقمار الصناعية الخاصة بنظام Aegis للدفاع الصاروخي من البحر، والكثير من المستشعرات الخارجية الأخرى، بالإضافة لقدرتها على العمل بالتوافق مع نظامي "باتريوت" و "باك 3". أمّا عن نظام الرادار المستخدم (GBR) في المراقبة وتمييز الهدف، وتوجيه الصاروخ باستخدام المعلومات الواردة من نظام المراقبة الفضائية، فيمكن للرادار اكتشاف الصواريخ الباليستية على بعد 1000 كيلومتر.
وتؤكد روسيا أن منظومة "ثاد" ليست ضرورية ونشرها في كوريا الجنوبية سيرجح كفة التوازن الإقليمي لمصلحة أمريكا، فيما تعارض الصين بشدة نشر هذه المنظومة لأنها تعتبرها تهديداً لقوتها للردع النووي. فالرادار القوي جداً في منظومة "ثاد" يمكن أن يستخدم في مراقبة عملياتها لإطلاق الصواريخ.
وفي وقت سابق انتقد وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" نشر المنظومة الأمريكية المضادة للصواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد نحو أسبوعين على إطلاق كوريا الشمالية صواريخ باتجاه بحر اليابان، معتبراً بأنها تمثل خطوة تنطوي على مخاطر جديّة لعموم لمنطقة.
وقال لافروف بعد محادثات بين وزراء خارجية ودفاع روسيا واليابان في طوكيو "لفتنا نظر اليابانيين إلى المخاطر الجديّة التي يشكلها نشر عناصر من منظومة الدفاع الأمريكية في آسيا والمحيط الهادئ".
من جهته، قال وزير الخارجية الياباني، فوميو كيشيدا، "توافقنا على دعوة كوريا الشمالية بحزم إلى ضبط النفس بشأن التصرفات الاستفزازية والانصياع إلى قرارات مجلس الأمن الدولي".
جاء ذلك عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى المنطقة والذي حذر من أن تحرك عسكري ضد كوريا الشمالية هو خيار وارد.
من جانبه قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بالبرلمان الروسي "ليونيد سلوتسكي" في حديث لوكالة أنباء "تاس" الروسية إن قيام أمريكا بنشر أنظمة الدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية يهدد أمن روسيا، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هناك حاجة إلى الجهود الدبلوماسية لإعادة كوريا الشمالية إلى المحادثات السداسية بشأن برنامجها النووي.
كما اعتبرت الخارجية الروسية في بيان نشر الصواريخ الأمريكية ومهما كانت الحجج يهدد الأمن والاستقرار في شرق آسيا والمحيط الهادئ والعالم برمته، ومن شأنه أن يخلق عقبات جديدة تحول دون تسوية المشاكل المعقدة والعالقة في شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك مهمة نزع الأسلحة النووية".
من جهتها اعترضت الصين على نشر نظام "ثاد" لأن نطاق الرادار الخاص بهذا النظام يمكن أن يصل إلى داخل أراضيها. ونشرت الخارجية الصينية بياناً على موقعها الإلكتروني جاء فيه أن"النظام الصاروخي الأمريكي سيزعزع التوازن الأمني في المنطقة دون أن يحقق أي شيء لإنهاء البرنامج النووي الكوري الشمالي".
وبحسب اعتقاد معظم المراقبين بات من الواضح جداً أن هدف واشنطن من نشر صواريخ "ثاد" ليس حماية كوريا الجنوبية من هجمات محتملة من جارتها الشمالية، بل رغبتها في تطويق الصين وروسيا بحلفائها الحربيين.