الوقت- ا "الديمقراطية" مصطلح لطالما انتشر في طيات اوراق سياسية كتبها القيمون على السياسة الدولية، فكان الوطن العربي متغنيا بحريات عامة تقسمت بين الخلفاء والامراء والملوك فلم تصل الى الشعب المحروم من المشاركة الفاعلة في انتخاب رؤساءه وملوكه وامراءه. ولا يشك كل متابع وخبير في الامور الملكية العربية ان الديمقراطية العربية لم تولد بعد، ولا يخطئ من يظن انها لن تولد ابدا فالملوك العرب مملوكون للادارات الغربية التي تفتقد معايير التطبيق بل تبقى الديمقراطية عندهم مجرد حبر على ورق كتبت في الصحف الغربية، نشرا لثقافة لم تعرف معنى المشاركة سوى بتنفيذ القرار فتعتمد بذلك الطريق العسكرية "نفذ ثم اعترض". فاين هي الديمقراطية في الممالك العربية؟ واين تختفي الصرخات الغربية الداعية للحريات عندما يكون المتجاوز ملكا عربيا؟
الديمقراطية عدو لدود للملوك العرب
حكاية الدول العربية مع الديمقراطية بدأت منذ سنوات مضت، فقد اعتادت الدول العربية ان تبتعد عن مواطنيها وشركائها لتلتحق بنظام سياسي هنا وهناك. فكانت الانظمة الغربية ملهما للظلم العربي والقمع الملكي، لينتقل مرض الحكم والطمع من جيل الى جيل. ودائما الملهم امريكي، فالامريكيون منذ زمن بعيد يعيشون عقدة الحكم، فمنذ الحرب العالمية الاولى بدأ الامريكيون بالتفكير بحكم العالم فزرعوا الاسرائيليين في الشرق الاوسط وبدؤوا بالعمل على زرع ذلك الفكر بين الاوساط الملكية العربية .
الملوك العرب ليسوا مقتنعين ببعدهم عن الديمقراطية، فينادون دائما بالحريات الفكرية والعقائدية والسياسية، ولكن بنظرة سريعة على الديمقراطية في الدول العربية التي تحكمها قوانين ملكية، نجد اسس الديكتاتورية تسيطر على العقلية الملكية كما تسيطر على السياسة الداخلية فتبعد شعبها عن القرار وترمي السياسة بين احضان الملك وامراءه وبعض الحاشية .
السعودية مثال اول على ذلك، الحكم فيها لم يزل لآل سعود منذ سنوات وليس للشعب حق في النقاش او محاولة التغيير، المراة فيها منقوصة الحقوق، ومن المعروف أن سبب تأخر الإصلاح السياسي السعودي إلى هذا الوقت هو الوضع الاجتماعي القبلي الرعوي إضافة إلى التكوين الديني المتشدد الذي يستغل الموقع الجغرافي والديني للسعودية لكي يحول بين السعودية وبين أي إصلاح سياسي. فالسعودية لا تحكمها الأنظمة بقدر ما تحكمها الأعراف والعادات والتقاليد. وأن الأنظمة إن وجدت فهي قائمة على أسس الأعراف والتقاليد والعادات أكثر من قيامها على أسس دينية .
لا شك ان القرار السياسي السعودي ايضا يملك الغرب قسما منه، فالغرب بمصالحه يسيطر على القرار السعودي في العديد من المواقف والاحداث الاخيرة خير دليل على ذلك، فالحرب على اليمن خير دليل على الرفض السعودي لما يسمى الديمقراطية. فرغبة اليمنيين تواجهها طائرات سعودية وقتل ودمار فكيف برغبة الشعب السعودي؟
المملكة العربية الثانية هي البحرين، شعب ناقص الحقوق يحاول منذ سنوات الحصول على ابسط حقوقه بإصلاحات سياسية، وحكومة قائمة على اسماء من ال خليفة تسيطر على الحكومة والسياسة البحرينية منذ حوالي اربعين عاما. ومن الممكن إرجاع رفض التغييرات السياسية في البحرين إلي العلاقة الوطيدة بين الحكومتين السعودية والبحرينية القائمة على مصالح مشتركة في الخليج الفارسي .
أين الغرب وقراراته الدولية
أعدت منظمة "امريكيون من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" في البحرين دراسة تحليلية تحت عنوان "تضحية للدولة: عقوبة الإعدام في البحرين والسعودية". وكشفت المنظمة في دراستها أن 72٪ من عمليات الإعدام المسجلة في العالم وقعت في منطقة الخليج الفارسي. وأوضحت بان "السعودية والبحرين جددتا الالتزام بعقوبة الإعدام بالرغم من التوجه الدولي العام للحد منها ".
فبالنسبة للسعودية وهي الثالثة عالميا على صعيد عدد الإعدامات أوضحت المنظمة انها لم تفشل على صعيد تقليل الإعداد بل إنها اليوم على وشك تحقيق رقم قياسي في عدد حالات الإعدام سنويا. واما بالنسبة للبحرين فقد تراجعت هي الأخرى عن سياستها السابقة، وعادت لإصدار احكام الإعدام .
واعتبرت المنظمة ان طرق الإعدام مشابهة في كثير من الأحيان في وحشيتها لطرق تنظيم "داعش" الإرهابي الا انه لا يمكن وصفها وببساطة "بالوحشية والتطرف" فقط، فإن عقوبة الإعدام في كل من السعودية والبحرين تشكل جزءا من جهاز معقد من السيطرة وإرهاب الدولة. وأضافت المنظمة أن حكومات السعودية والبحرين وتحت ستار الشريعة الإسلامية والردع الجنائي، توظف عقوبة الإعدام كوسيلة للقمع السياسي المستهدِف .
لم تنته الدراسة الامريكية عند هذا الحد ولكن اختصارا سنكتفي بما قل ودل للوصول الى ما تؤكده التقارير من ازدواجية لعمل المؤسسات الدولية، فمنظمة الامم المتحدة التي تتغنى بحقوق الانسان مطالبة بالدفاع عنه لم تلق ملامتها حتى الان على المملكتين العربيتين، ولم تحاول يوما ان تقف بوجه ما تقوم به هاتان المملكتان من اجل الدفاع عن الانسان العربي. لذلك يقف الشعب العربي حائرا امام ازدواجية الفكر الغربي الذي يطلق عقوباته على دول لمجرد سعيها للتطور او التفكير بحرية شعبها وانفصالها عن القرار السياسي الدولي والاستقلال بذاتها، بينما لا تحرك ساكنا ضد الديكتاتورية السياسية التي تسيطر على المملكتين العربيتين .
نهاية، لا احد يمكن له ان يجد سببا لهذه الازدواجية الغربية، ولا احد ايضا يستطيع التفكير بيوم تصل فيه الديمقراطية العربية الى ما يرضي الشعب العربي، بل ما تدل عليه مؤشرات الديمقراطية العربية لا يبشر الا بالمزيد من الازمات والصراعات بين الشعب والمملكة. والمصالح الامريكية لا يمكن ان تسمح للمنظمات الدولية بالوقوف بوجه الديكتاتورية العربية، لكن الشعب في الممالك العربية بدأ يتحرك مطالبا بحقوقه فهل تتغير الاحداث فتكون الايام المقبلة أفضل من التاريخ؟ سؤال برسم المستقبل .