الوقت- مع تقدم القوات العراقية وتضييقها الخناق على داعش في الجانب الشرقي من مدينة الموصل ودفعه باتجاه الجانب الغربي للمدينة، اتخذ الأخير مناورة تشتيت الجهد الأمني لتأخير القدر المحتوم وبعد أن سجلت القوات العراقية تقدما كبيرا خلال اليومين الماضيين، حيث أعلن الاعلام الحربي أن أربعة أحياء تفصل القوات العراقية عن تحرير الساحل الأيسر للموصل بالكامل، وهذه الأحياء هي: أحياء الرشيدية، العربي، ميسان والغابات، فيما أفادت وكالات أنباء عراقية أن ضفاف نهر دجلة الغربية في الموصل تحولت إلى مقبرة مكشوفة لجثث مسلحي تنظيم داعش الذين أصيبوا في معارك شرق الموصل، وتم نقلهم بقوارب عبر النهر لكنهم فارقوا الحياة قبل الوصول إلى الضفة.
هذا واتجه التنظيم الارهابي الى الضغط على الأهالي في مناطق سيطرته واختطاف النساء والأطفال لإجبار الرجال على القتال ضد القوات الأمنية خلال تقدمها السريع، إلا أن تجنيد مدنيين لا خبرة لهم بالقتال لم يكن كافيا لتعزيز معنويات مقاتلي داعش التي انهارت بعد أن وجد الدواعش أنفسهم والموت يطبق عليهم من كل الجهات.
التنظيم الذي سيطر على المدينة منذ حزيران عام 2014، عمد الى زرع العبوات الناسفة ونشر القناصين بالإضافة الى استخدام الانتحاريين لوضع العصي في دولاب الهزيمة، إلا أن جميع عصي التنظيم باتت تتكسر في ظل ارتفاع معنويات الجنود العراقيين مقابل انهيار التنظيم.
كما حاول التنظيم الضغط على الحكومة العراقية في بغداد عبر تفجيرات دامية، إلا ان الحكومة العراقية اكتفت بمراجعة الخطط الأمنية والاستعداد لتحول داعش من منظمة ارهابية تسيطر على الأرض إلى منظمة ارهابية كلاسيكية تعتمد على التفجيرات وتنفيذ العمليات الارهابية التقليدية؛ ففشلت جهود داعش الرامية الى اجبار الحكومة على سحب مقاتليها من الموصل لتعزيز الامن في بغداد.
أخيرا عاد داعش للعب ورقة قضاء الحويجة –جنوب غرب كركوك- حيث أعلنت القوات الأمنية العراقية، الاثنين، عثورها على كميات كبيرة من مادة TNT والعبوات اللاصقة كان تنظيم داعش ينوي استخدامها في هجوم على مدينة كركوك؛ مما دفع محافظ المدينة الى تجديد المطالبة بعملية أمنية لتحرير الحويجة من قبضة تنظيم داعش، وشن حملة اعلامية شديدة ضد الحكومة خوفا من انتكاسة أمنية قد تواجهها المدينة.
ورغم أن الحويجة تشكل خطرا حقيقيا، إلا أن القيادي في الحشد الشعبي، والامين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، أصدر اليوم الثلاثاء بيانا أكد فيه "استحالة" ترك عمليات تحرير الموصل والعودة إلى قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك لغرض تحريره، وقال: "لقد قطعنا شوطا كبيرا في عمليات تحرير الموصل ومن المستحيل أن نترك عمليات الموصل ونعود للحويجة ولا يمكن تقسيم الجهد بينهما"، مما ينذر باستمرار ضغط داعش في الحويجة لاجبار الحكومة العراقية على تقسيم الجهد الامني وفك الضغط عن مدينة الموصل –ولو مؤقتا- مما يسمح لداعش باعادة ترتيب أوراقه والتخطيط للتعامل مع الأساليب التي استخدمتها القوات العراقية في الجانب الشرقي الذي يكاد ان يخرج من سيطرة التنظيم بالكامل.
من جهة أخرى يحاول التنظيم احراز نصر معنوي شبيه بما حققه في تدمر بالتزامن مع تحرير القوات السورية لمدينة حلب؛ وهذا بدوره اضطره الى تعزيز قواته في دير الزور ونقل عناصر من قواته الخاصة المعروفة باسم جيش الخلافة من الموصل الى سوريا عبر منطقة تل صفوك؛ وقدر عدد العناصر التي توجهت من الموصل الى دير الزور بعشرين سيارة محملة بالمقاتلين؛ وأفاد مصدر امني أن صمود قوات الجيش السوري في مطار دير الزور المحاصر ومقاومتهم لهجمات تنيظم داعش دفعت الأخير الى استدعاء قوات جديدة الى مدينة السخنة في ريف حمص الشرقي، مما يعني أن داعش المنهار في الموصل مضطر لتقسيم جهوده من اجل تحقيق نصر في مكان آخر وهذا بحد ذاته سببٌ كافٍ لفتح داعش معارك جانبية في العراق لتشتيت الجهد الأمني ولو حتى تحقيق نصر محدود يرفع معنويات مقاتليه.