الوقت- نشهد هذه الأيام حملة إعلامية كبيرة موجهة ضد قوات الحشد الشعبي العراقية، هذه القوات التي تشكلت بعد نداء المرجعية العليا في العراق والذي طالب جموع الشعب العراقي بمساندة الجيش العراقي من أجل التصدي لحملات تنظيم داعش الإرهابي الذي كان قد سيطر على أجزاء واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار في غرب العراق .
هذه الحملة التي ينفذها عدد كبير من وسائل الإعلام العربية والغربية، لم تترك تهمة إلا وألصقتها بهذه القوات، لدرجةٍ قد يعتقد المتابع لهذه الوسائل الإعلامية أن مشكلة العراق الأساسية تتمثل في قوات الحشد الشعبي لا في تنظيم داعش الإرهابي الذي عاث في البلاد خراباً وفساداً .
ما سبب هذه الحملة الإعلامية؟ وما هي مشكلة أمريكا والدول الخليجية مع قوات الحشد الشعبي؟ ما هو موقف قوات الحشد الشعبي نفسها؟ وماذا عن موقف الحكومة العراقية؟
حنق أمريكي :
المتابع للشأن العراقي يلاحظ أن الحملة الإعلامية الموجهة ضد قوات الحشد الشعبي في العراق يقودها عدة أطراف لكل منهم مصالحه وأسبابه الدافعة له. فأمريكا والتي اشتاظت غيظاً من نجاحات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، اشترطت الشهر الماضي على الحكومة العراقية من أجل القيام بالإسناد الجوي للجيش العراقي عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي في عملية تحرير مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، حيث أكد قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال لويد اوستن خلال جلسة لمجلس الشيوخ الأمريكي في تاريخ 26/3/2015م ، أن أمريكا اشترطت على الحكومة العراقية انسحاب قوات الحشد الشعبي من الخطوط الأمامية لتقوم بتنفيذ الغارات الجوية ضد أهداف تنظيم داعش وقال أوستن: "إن قوات الحشد الشعبي العراقية انسحبت من العمليات على مدينة تكريت شمال العراق" وأضاف أوستن "إن العملية العسكرية الرامية لاستعادة مدينة تكريت من مسلحي داعش لا تقودها قوات الحشد الشعبي ."
تصريحات أوستن هذه تأتي في إطار الدور الأمريكي ضمن هذه الحملة والتي تستهدف تحقير إنجازات قوات الحشد الشعبي وتشويه صورتها عند الرأي العام العراقي والعربي على حد سواء .
فلقد كان للإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي والملاحم التي سطرها في معاركه ضد تنظيم داعش وقعها على القيادة الأمريكية وهي التي كانت تمنّي النفس بأن يكون إرهاب داعش طريقها للعودة إلى العراق وبسط نفوذها عليه، أمريكا التي كانت خرجت من العراق مذمومة مدحورة، والتي كانت تعد العراقيين بمعركة طويلة مع الإرهاب ستستمر إلى عشر سنوات أو أكثر، عشر سنوات من الحرب والدمار واستنزاف دماء العراقيين وخيرات بلادهم. كانت تطمح خلالها للعودة إلى العراق من الباب العريض وكانت تأمل أن ينظر إليها الشعب العراقي نظرة الملاك المخلص. ليأتي الجيش العراقي والحشد الشعبي ويبددا الأحلام الأمريكية وليقولا لأمريكا وحلفائها إن العراق أرض العراقيين الشرفاء الذين لم ولن يحنوا للعدو جبيناً .
تخلف وحقد خليجي :
لا يروق لدول مجلس التعاون، والتي طالما وجهت إليها أصابع الاتهام في دعمها للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، لا يروق لها رؤية العراق سليماً معافى. فالعراق القوي المستقل يشكل تهديداً لملوك الرمال، لذلك نرى وسائل الإعلام الخليجية لا تتورع عن بث الفتن والسموم في المجتمع العراقي، ولهذا السبب نراهم يكيلون مختلف الاتهامات الطائفية المقيتة لقوات الحشد الشعبي متجاهلين عن سوء قصد إنجازات هذه القوات ودورها الهام في الحفاظ على العراق وتحرير أراضيه .
قوات الحشد الشعبي التي تشكلت بعد نداء المرجعية في العراق والتي لبى من خلالها أبناء العراق شيعة وسنة دعوة المرجعية الدينية لمساندة الجيش العراقي والتعاون معه من أجل تحرير العراق من دنس تنظيم داعش الإرهابي. هذه القوات غيّرت المعادلة العراقية وقلبت الموازين رأساً على عقب ليقف الجيش العراقي على قدميه مرة أخرى ويستعيد زمام المبادرة ولتبدأ رحلة تحرير العراق واستعادة جميع أراضيه إلى حضن الوطن. وهو الأمر الذي تخشاه أمريكا وحلفاؤها الخليجيون والذين يعملون ما بوسعهم لمنع حصول هذا الأمر .
فما كان من أمريكا والدول المتضررة من هذه الإنجازات إلا أن عمدت إلى تشويه صورة هذه القوات وتوجيه مختلف التهم إليها، أمريكا التي تقدم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لداعش والتي ألقت طائراتها بالمؤن والذخيرة لعناصر هذا التنظيم الإرهابي مرات عديدة والتي تمتنع حتى هذه اللحظة عن تنفيذ صفقات السلاح المبرمة مع الحكومة العراقية والتي دفع العراق ثمنها مسبقاً، تأتي اليوم لتعطينا دروساً في الأخلاق وحقوق الإنسان ولتكيل التهم التي هي أولى بها لقوات الحشد الشعبي، والذين دفعهم حبهم لوطنهم وإخلاصهم لدينهم لتلبية نداء المرجعية وترك بيوتهم وحمل السلاح دفاعاً عن العراق .
موقف الحكومة العراقية :
تعتبر الحكومة العراقية قوات الحشد الشعبي عماداً أساسياً للجيش العراقي وشريكاً في جميع انجازات الجيش العراقي في حربه مع تنظيم داعش، حيث وجه رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الوزارات ومؤسسات الدولة العراقية كافة بالتعامل مع الحشد الشعبي بوصفه هيئة رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وأن رئيس مجلس الوزراء يتولى عمليات القيادة والسيطرة والتنظيم للقوات التابعة للحشد .
قوات الحشد الشعبي: لن نقاتل تحت المظلة الأمريكية
أمريكا من خلال تصريحات مسؤوليها المسعورة تريد ممارسة ضغوط مختلفة على الحكومة العراقية علها تستطيع تحجيم قوات الحشد الشعبي وتقليص دورها في الساحة العراقية ، متجاهلة أن قوات الحشد الشعبي نفسها ترفض مشاركة قوات التحالف وخصوصاً أمريكا في عمليات تحرير العراق، وأن قوات الحشد الشعبي أكدت مراراً وعلى لسان العديد من قادتها رفضها أن يكون المقاوم العراقي في خندق واحد مع أمريكا وهي التي فعلت بالعراق ما فعلت وجميعنا قرأ تصريحات هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر والمشرف على قوات الحشد الشعبي والتي قال خلالها: "مشاركة أمريكا في معركة تكريت قرار تابع للحكومة العراقية، لكن الحشد الشعبي غير مستعد للقتال تحت مظلة امريكا وطائراتها، نحن نرفض هذا بكل الأشكال ".
إذاً فالعراقيون أنفسهم من يرفضون العمل تحت الراية الأمريكية، وليست أمريكا في موضع تقرر للعراقيين ما يفعلوا، وأمريكا بتاريخها الأسود الذي شاهده العراقيون بأم أعينهم هي آخر من يحق له التكلم عن الحقوق والحرمات .
كما أن قوات الحشد الشعبي بما تضمه من أبناء حركات المقاومة العراقية كمنظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا السلام وغيرها هم الذين قاتلوا أمريكا في يوم من الأيام، هؤلاء الشبان لم يشاركوا في هذه المعركة امتثالاً للأوامر الأمريكية حتى يصغوا اليوم للنعيق الأمريكي، هؤلاء الشبان إنما يقومون اليوم بما يمليه عليهم دينهم وضمائرهم لا ما تمليه عليهم سياسة الأمريكي وأطماعه، ولذلك فهم لن يقوموا بتخلية الساح وإعطاء الفرصة للمتغطرس الأمريكي للعودة للعراق وليفعل ما يحلو له في هذا البلد المقدس .