الوقت- بعد أيّام على التوصيات التي خرجت عن معهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي"، الذي يترأسه عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) الأسبق، بالاستعداد لمواجهة واسعة النطاق مع حماس وحزب الله، زعم محلل الشؤون الأمنيّة الاسرائيلية يوسي ميلمان، أنّ الجناح العسكريّ لحركة حماس، كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام تمتلك عددًا غير معروف من صواريخ القسام وغراد والكاتيوشا، إضافةً لصواريخ "فجر-55" الإيرانية الصنع، وأخرى صينية، إلى درجة أصبح لديها ما يُمكن اعتباره "سوبرماركت" صواريخ متعددة الجنسية بامتياز، على حدّ وصفه.
والسؤال: ما مدى دقّة هذه التصريحات الإسرائيلية؟ وما هي أهدافها في هذا الوقت تحديداً؟ وماذا عن تداعيات امتلاك حماس لهذه الصواريخ؟
في التداعيات، تحمل هذه الصواريخ جملة التداعيات العسكرية والأمنية قادرة على تغيير قواعد اللعبة، وفق المُحلل الإسرائيليّ، الذي اعتمد على مصادر رفيعة في جيش الاحتلال.
في عالم المقاومة الفلسطينية، كان للصواريخ، كما للعمليات الاستشهاديّة، الكلمة الفصل في مجابهة العدو الإسرائيلي، بدءاً من الصاروخ الأول الذي أطلقه الجناح العسكري لحركة حماس في سبتمبر/أيلول 2001، أي بعد عام واحدة من اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، على أطراف بلدة سديروت شمال القطاع، وقد بلغ مداه أقل من 4 كيلومترات واتصف بعدم الدقة، إضافة إلى ضعف انفجاره وقتها.
ورغم أن الكيان الإسرائيلي وجد في هذه الخطوة حينها تطورا خطيرا وتغييرا في معادلة الردع والمواجهة، إلا أن مهندسوا الحركة وحلفائها في ايران وسوريا وحزب الله رفعوا من مستوى الردع الذي وصل إلى تزويد الحركة بصواريخ أرض –جو (سام-7) مضادة للطائرات، وصواريخ متطورة مضادة للدبابات فرنسية من طراز "ميلان" في العام 2012.
الحديث عن البحر يعيدنا إلى الكوماندوس الشهير للحركة حيث وصلت قوّة بحرية إلى موقع زيكيم بالقرب من اشكلون على الساحل الأمر الذي أثار هاجس البحرية الإسرائيلية التي وجدت في كوماندوس حماس قوة عسكرية بحرية لا يستهان بها. يعلّق قال ضابط كبير في سلاح البحرية الإسرائيلي بالقول: "منذ انتهاء عملية الجرف الصامد نرصد محاولات لتعاظم قوة حماس في البر والبحر في غزة وفي الجو أيضا ونحن في سلاح البحرية نعمل جاهدين لمواجهة أي تهديد من جانبهم".
بعد دخول البر والجو، اليوم يدخل البحر في معادل الردع التي تعيدنا إلى صاروخ ياخونت الذي ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية قبالة سواحل بيروت في عدوان تموز عام 2006 وهي معادلة تحتاجها حماس أكثر من أي وقت مضى لاسيّما في ظل الحصار البحري المفروض على القطاع والذي شلّ حركته الاقتصاديّة.
في كلّ الأحوال، فمن الجليّ أن خطورة هذا الصواريخ تتعدى حدود القطاع لتصل إلى فرض معادلات بحرية قد لا تنجح إخراج سلاح البحرية الإسرائيلية من أيّ حرب مقبلة، إلا أنّها بالتأكيد ستحد من فاعلية سلاح البحرية عبر إجباره على على الابتعاد في عرض البحر لمسافة تخرج عن مدى التأثير الفعال للصاروخ. إن العلم بوجود منظومة دفاع بحري تفرض على الطرف المقابل جملة من التدابير الوقائية التي تؤدي إلى إيجاد تأثير بالغ على منظومة المراقبة والنار عبر تراجع في فعالية النيران ومراقبة أقل دقة، ما يعدّ خسارة عسكريّة لا يمكن التغافل عنها.
ورغم أن لهذه الصواريخ أيضاً دور فاعل في التأثير على دور سلاح البحر الذي يتولّى مراقبة الشاطئ الفلسطيني لمحاصرته والمساندة النارية واستهداف المناطق "المحاصرة" في القطاع، إلا أنها تعدّ في الوقت عينه بمثابة ورقة ذهبية ضد منشآت النفط والغاز الإسرائيلية التي تزود الكيان حاليا بـ 60% من التيار الكهربائي.
التداعيات الإستراتيجية لصواريخ أرض بحر تصل إلى ذروتها مع امتلاك الحركة لصاروخ "ياخونت" الذي يهدّد ليس البوارج الحربية فحسب، بل كافّة منصات استخراج الغاز والنفط، وحركة الملاحة في دائرة قطرها 300 كلم، بدءاً من حقل "تمار" للغاز الواقع على مسافة 80 كلم قبالة مدينة حيفا، وليس انتهاءً بحقل "ليفياثان" الواقع على مسافة 130 كلم قبالة المدينة نفسها. ولكن ماذا عن التوقيت ودقّة التصريحات الإسرائيلية؟
رغم أننا اعتدنا على إطلاق المؤسسة الأمنيّة الإسرائيلية لتهديدات غير صحيحة بغية تبرير أي عدوان عسكري، إلا أن امتلاك كتائب عز الدين القسام لهذه الصواريخ بات شبه مؤكد ، لاسيّما بعد توصيات عسكرية من حزب الله في هذا السياق، وإصرار إيراني على دعم الفصائل المقاومة، فضلاً عن تركيز الحركة على بناء قوّة بحرية مستفيدةً من العبر المستخلصة من الحرب الأخيرة علی قطاع عزة عام 2014.
ولكن، ثمة شيء مهم وغير مطمئن قد يحدث في القطاع، خاصّة بعد مطالبة يدلين في تقدير المعهد السنوي للوضع الاستراتيجي الأمني والسياسي لـ"إسرائيل" الذي قدّمه لرئيس الكيان رؤوفين ريفلين بالإعداد العسكري لمواجهة واسعة النطاق مع حزب الله وغزة خاصّة مع وجود رجل "متهوّر" في وزارة الدفاع الإسرائيلية مثل ليبرمان المتطرّف الذي وقّع على وثيقة موافقة على الميزانية لبناء جدار عازل حول قطاع غزّة على شاكلة الجدار القائم في الضفّة، وهو ما أكّد عليه رئيس الأركان الجنرال غادي ايزنكوت في زيارته الأخيرة لغلاف غزة.