الوقت-بعد أن قررت أمريكا في عهد أوباما التحول نحو منطقة الشرق لتدارك تهديدات بعض دولها المتزايدة إزاء الهيمنة الامريكية والتي يمكن أن تزعزع مكانتها عالمياً، بات تركيز واشنطن على منطقة شرق آسيا أكبر من التركيز على منطقة الشرق الاوسط منذ عام 2009.
ان تعاظم القدرات الصينية الاقتصادية والسياسية والتهديد الذي يشكله ذلك لأمريكا يمكن ان يؤدي الى ان یصبح شرق آسيا مسرحا لصراع القوى العالمية في الربع الثاني من القرن الحالي وقد رأينا كيف قام دونالد ترامب باتصال هاتفي مع الرئيسة التايوانية في استفزاز واضح للصين.
وقد ردت الصين سريعا على ذلك لأنها تعلم بأنها يمكن ان تصبح هدفا للسياسات الأمريكية في الفترة المقبلة مع تغيير سياسات امريكا في العالم كما تدرك بكين جيدا ان ترامب يعارض زيادة الصادرات الصينية الى امريكا ولذلك بات معلوما ان عهد ترامب سيكون صعبا بالنسبة للصينيين.
لقد وجه الامريكون الضربة الأولى لكعب أخيل الصين حينما قرروا عقد صفقة سلاح مع تايوان في عهد اوباما ما اثار غضب الصينيين لكن ترامب برهن بأنه أكثر جرأة وانه سيستغل كل ما هو متوفر لاستفزاز مشاعر اكثر من مليار صيني.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في العالم ان الصين هي اكبر منافسة اقتصادية لأمريكا واذا استمر النمو الصيني على هذا المنوال فإن هذا البلد سيزيح امريكا عن عرش الاقتصاد العالمي وسيحل محلها وهناك من الخبراء من يتوقع حدوث ذلك في عام 2020 وبعضهم في عام 2030 لكن الامر الأهم من ذلك هو الخطر الامني الوشيك الذي تشكله الصين على امريكا.
ومن المتوقع اشتداد النزاع بين البلدين في عهد ترامب لكن الأمريكيين لم يعودوا راغبين في التدخل المباشر في خارج حدودهم بسبب كلفتها العالية وتبعاتها الخطيرة تماما كما حصل لهم في حربي العراق وافغانستان، ويظن الامريكيون ان اشعال الحروب بالوكالة واستغلال الخلافات الطائفية والقومية والعرقية والجغرافية يمكن ان يكون أداة مناسبة لتحقيق اهدافهم ولذلك يضع البيت الابيض على جدول اعماله استغلال الخلافات بين الهند والصين وبين تايوان والصين كما يعمل على نشر التخويف من التنين الصيني بين دول جنوب شرق آسيا.
وهناك خلافات حدودية بين الصين والهند في منطقة لداخ في كشمير وقد تطور الخلاف عدة مرات وصولا الى عرض العضلات على الحدود كما أن هناك تنافساً بين البلدين في مجال النفوذ السياسي والاقتصادي في منطقتهما فالهند في الأساس موالية للغرب ومع مجيء حزب بهاراتيا جاناتا الى سدة الحكم اتجهت نيودلهي نحو التشدد القومي وزادت من حدة المواجهة مع الصين ما شكل فرصة للامريكيين لاستغلالها.
وقد زادت الهند ايضا من ميولها نحو التكنولوجيا الغربية وهي تسعى الى خفض الاتكال على ترسانة سلاحها الروسي الصنع كما ان نيودلهي لاتعتبر منافسة لواشنطن ولا تسعى لتكون قوة عظمى بل تريد فقط ان تكون القوة الاولى اقليميا ولذلك يوليها الامريكيون اهتماما خاصا.
وما يزيد الطين بلة هو الطموحات الصينية في بحر الصين والادعاءات الصينية حول النزاع الحدودي في شمالي الهند وهذا من شأنه ان يقرب واشنطن ونيودلهي من بعضهما البعض بشكل اكبر، ومن جانب آخر لاتستطيع الهند ان تراهن على روسيا في وجه الصين لأن علاقات موسكو وبكين تشهد توطيدا متزايدا.
اما السياسات الباكستانية للاقتراب من روسيا فإنها تدفع الهند نحو امريكا بشكل أكبر وفي المقابل تحاول امريكا ايجاد خطر أمني داهم قرب الحدود الصينية والاستفادة من الهند في الحروب بالوكالة في المنطقة لذلك تدعم انضمام الهند الى النادي النووي العالمي وقد بدأ الطرفان تعاونا في مجال الفضاء ايضا فيما تدعم واشنطن فكرة انضمام الهند الى مجلس الأمن الدولي كعضو دائم لأن التحالف بين الدولتين يرجح كفة الأمريكيين في العالم.
لكن رفع مستوى التعاون بين نيودلهي وواشنطن سيصعد التوتر في المنطقة ويزيد من مخاطر حدوث معارك حدودية مع الصين وباكستان، فالهنود اذا ارادوا تنمية اقتصادية وسياسية مستدامة عليهم ان يضعوا التوترات جانبا فتجربة الشرق الاوسط ماثلة أمامهم وتقول لهم بأن تدخلات القوى الأجنبية تزيد فقط من سباق التسلح وترفع مستوى التوتر وتهدد الاستقرار والأمن والتنمية.