الوقت – وقفت معاهدة كمب ديفيد حجر عثرة في العلاقات الايرانية المصرية التي انقطعت حينما وقعت القاهرة على تلك المعاهدة، ولم تستأنف تلك العلاقات حتى الان، وهناك عدة أمور أخرى مثل تسمية شارع في طهران باسم خالد الاسلامبولي الذي قتل أنور السادات وما شابه ذلك تعرقل عودة العلاقات لكن في الحقيقة فإن استمرار هذه القطيعة له أسباب أخرى كما يقول بعض الخبراء الذين يؤكدون ايضا ان البلدين يمكنهما ان تتجها نحو تحسين العلاقات.
جذور الخلاف بين البلدين
اعتبرت ايران بعد الثورة الاسلامية ان العلاقات بين مصر والكيان الاسرائيلي خيانة للقضية الفلسطينية، كما كانت مصر عبدالناصر على خلاف مع شاه ايران الذي كانت تربطه علاقات جيدة مع تل أبيب، لكن معاهدة كمب ديفيد لم تعكر فقط العلاقات الايرانية المصرية بل ايضا علاقات باقي الدول العربية مع القاهرة.
أسباب استمرار قطع العلاقات
يقول البعض ان العلاقات المصرية الاسرائيلية هي السبب الرئيسي لاستمرار قطع العلاقات الايرانية المصرية لكن سير الأحداث في المنطقة تثبت عكس ذلك فالأردن لها علاقات رسمية مع تل ابيب لكن ايران تقيم علاقات رسمية مع الأردن ايضا كما ان عمان وقطر والامارات ايضا لها علاقات غير رسمية ولكن علنية مع تل أبيب وترتبط ايران بعلاقات رسمية مع هؤلاء وهذا يثبت ان علاقات الدول مع الكيان الاسرائيلي لاتقف عائقا امام ايران لاقامة علاقات مع هذه الدول واذا تم البحث عن الأسباب الحقيقية للتباعد بين ايران ومصر فعندئذ يمكن الإقتراب من الحل وتذليل الخلاف وصولا الى تحسين العلاقات.
وهناك في المقابل من يعتقد ان طموحات ايران في المنطقة ونفوذها فيها هما سبب عدم حل الخلافات بين طهران والقاهرة لأن مصر وكذلك تركيا والسعودية يخشون هذه الطموحات، لكن هذا الكلام ايضا مردود عليه لأن تركيا التي تعتبر منافسة لايران في العالمين العربي والاسلامي لها علاقات دبلوماسية قوية مع ايران كما ان السعودية ايضا كانت تحل خلافاتها مع ايران في الكثير من الاحيان باستثناء الأشهر الاخيرة التي شهدت قطع العلاقات بين البلدين بعد اعدام الرياض لآية الله النمر.
اما السبب الآخر للتباعد بين طهران والقاهرة هو الدور السعودي السلبي خاصة بعد ثورة 2011 في مصر فالتنافس الاقليمي وتأثير الدول العربية على مصر يؤثران على العلاقات المصرية الايرانية، لان السعودية ترى نفسها في حالة تنافس دائمي مع ايران وتريد استخدام أداة التضامن العربي لمواجهة ايران.
ان مجيء محمد مرسي الى الحكم في مصر كان يمكن ان يؤدي الى عودة العلاقات الرسمية الكاملة مع ايران لكن التصرفات غير الناضجة لمرسي وموقفه من الأحداث في سوريا وموافقته على استمرار العلاقات المصرية الاسرائيلية اثبتت بأن المراهنة على الاخوان المسلمين لتحسن العلاقات الايرانية المصرية ليست مجدية ايضا.
وبعد تنحية مرسي في عام 2013 ومجيء السيسي بدأ فصل جديد في العلاقات المصرية الايرانية، فالسعودية حاولت استغلال الضعف الإقتصادي المصري ومنح مساعدات مالية لمصر للتقرب أكثر من القاهرة وهذا كان ينذر بمزيد من التباعد بين مصر وايران، ومن ثم وافق السيسي على منح جزيرتي تيران والصنافير للسعودية لكن الامور لم تستمر هكذا واطلق مؤتمر غروزني الديني الذي شارك فيها علماء مصريون واعتبر الوهابية خارجا عن اهل السنة والجماعة رصاصة الرحمة على العلاقات المصرية السعودية، ومن ثم دعمت مصر مسودة قرار روسي في مجلس الأمن حول سوريا رغم معارضة السعودية فعمدت الرياض الى وقف توريد النفط ومشتقاته الى مصر وردا على ذلك اعلن السيسي ان مصر لديها سياسة مستقلة وتدعو الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وان الازمة السورية لها حل سياسي وشنت الصحافة المصرية هجوما على السعودية.
وربما لن تكون الخلافات بين السعودية ومصر جذرية الى درجة كبيرة جدا لكنها توفر فرصة أمام ايران لتذليل الخلافات مع مصر التي اختارت ايضا الإقتراب من روسيا حليفة ايران.
ويمكن لروسيا ان تلعب دور الوسيط في هذا المجال لأنها تربطها علاقات جيدة مع ايران ومصر، ويمكن لروسيا ان تركز في هذا المجال على قضيتين أساسيتين هما الجماعات التكفيرية والأزمة السورية.
ان السيسي وخلافا لمرسي يعتقد بضرورة دعم حكومة بشار الأسد ووحدة الأراضي السورية وهذا هدف من اهداف ايران وروسيا، ومن جهة أخرى تريد مصر محاربة الجماعات التكفيرية في سيناء كما تعتبر ايران ايضا رائدة في مكافحة هؤلاء ويمكن لمصر ان تستفيد من تجربة ايران في تعبئة القوات الشعبية لمحاربة الارهابيين في سوريا والعراق وقد ارسلت مصر بعض جنودها الى ميناء طرطوس السوري ليتدربوا على حروب العصابات.
ربما لن تكون عودة العلاقات الكاملة بين ايران ومصر امرا سهلا ولن تحل الخلافات في وقت قصير لكن القضايا الإقليمية يمكن ان تشكل أساسا للتقارب بين البلدين فمصر لم تدعم عدوان السعودية على اليمن وتعارض اسقاط النظام السوري وتدعم حرب العراق على الارهاب وهذا كله يمكن ان يشكل حجر أساس لتحسين العلاقات مع ايران، كما يمكن لروسيا ان تسرع تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة نظرا للنفوذ الروسي على الجانبين وسياسات روسيا الإيجابية في المنطقة.