الوقت- استمرارا لتلوّنه ومواقفه المتذبذبة يرسل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هذه الأيام الإشارات الى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عبر وسائل الاعلام الموالية له معطيا الضوء الأخضر لبدء العلاقات، بعد ان كان اردوغان ينصب نفسه عدوا لترامب اثناء السباق الرئاسي الامريكي بسبب مواقفه المعادية للمسلمين.
ولايمكن نسيان التصفيق والزعيق الذي قامت به الصحافة التركية صباح التاسع من نوفمبر ابتهاجا بفوز ترامب وهي الصحافة نفسها التي كانت تكن العداء لترامب قبيل ظهور النتائج، والآن نجد بأن هذه الصحافة بدأت تتحدث شيئا فشيئا عن ضرورة فتح صفحة العلاقات مع ترامب، وهنا يطرح السؤال "ماذا يريد اردوغان ومعسكره من ترامب؟"
يلتقي اردوغان مع ترامب في الكثير من الخصال، فكلاهما يهاجمان الصحافة ويعاديان الجرائد وينصبان نفسهما كمنقذ لشعبهما، ولمستشار ترامب للامن القومي علاقات حسنة مع اردوغان وفريقه، ان ترامب واردوغان يعارضان المبادئ المدنية والسياسية والاقتصادية المتعارفة في المجتمع وهذا يفيد رؤية ادارة ترامب في المنطقة، لكن السؤال الآخر الذي طرح نفسه هو " كيف يستطيع اردوغان تكييف نفسه مع مواقف ترامب المعادية للإسلام فيما يخص المسلمين وسوريا والعراق؟
ان أدبيات الصحافة التركية تثبت بأن اردوغان يريد تجاوز قضية معاداة الاسلام لدى ترامب وينوي إخفاء رأسه في الرمال فاردوغان أثبت بانه يضع التجارة فوق أي اعتبار واي مبدأ وانه لم يفي حتى الان بأي كلام أطلقه أو وعد قطعه، لكن من المتوقع ان لايعير فريق ترامب أي اهتمام بهذا التلون التركي فالأمريكيين يعرفون تركيا جيدا واذا كان اردوغان يريد ان ينجح في اغراءاته فعليه ان يعطي الامتيازات لتاجر كترامب ويمنحه مكاسب كبيرة.
لكن هناك تباين ووجوه خلاف ايضا بين اردوغان وترامب ايضا فأعضاء حزب العدالة والتنمية التركي يعتبران كلا الحزبين الامريكيين الكبيرين كأعداء ومن الفصيل نفسه، وفي المقابل لم تألوا الصحف الأمريكية الرئيسية الكبيرة جهدا للنيل من اردوغان وتصويره كديكتاتور طوال 14 عاما من حكمه في عدة مناصب، ان علاقات ادارة اوباما مع تركيا كانت تتحسن شيئا فشيئا لكن هيلاري كلينتون وعدت في حملتها الانتخابية بمساعدة اكراد تركيا وسوريا في القتال ضد داعش وهذا لم يرق للأتراك.
ان الحكومة التركية اعتبرت أمريكا داعمة للإنقلاب العسكري الفاشل الذي حدث مؤخرا في البلاد بسبب تأخر الأمريكيين في إدانة الإنقلاب وارسال إشارات إيجابية للإنقلابيين وإتهم انصار اردوغان امريكا بالخيانة وفي المقابل ركزت الصحافة الامريكية على حملة الاعتقالات والقمع في تركيا وأحجمت الإدارة الامريكية عن تسليم فتح الله غولن الى أنقرة، لكن رغم هذا كله هناك "بصيص أمل" بالنسبة للسلطات التركية وهو اعتبار النخب السياسية الأمريكية لحزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وهذا يجلس اردوغان وهؤلاء على مائدة واحدة.
يعتبر اردوغان ان ترامب لايخضع لإبتزازات النخب السياسية الأمريكية ولايعير اهتماما لإنتقادات هؤلاء ضد تركيا، ان الأجواء السائدة في تركيا تفيد بأن المعادين لواشنطن في تركيا يريدون التقارب مع الإدارة الأمريكية الجديدة كما يعوّل اردوغان على مستشار الأمن القومي لترامب "مايك فلين" كثيرا لأن فلين اعتبر تركيا "حليفة تعاني من أزمة وتحتاج دعما أمريكيا" وذلك على الرغم من الدعم الذي كان قد ابداه فلين للإنقلابيين في تركيا في وقت سابق.
ان الأتراك ينتابهم القلق من عدم القضاء على داعش في العراق وتقسيم هذا البلد لأنه يهدد مصالحهم، فالأتراك لعبوا دورا سلبيا في العراق وسوريا والآن قد تورطوا بسبب ألاعيبهم والآن يعتبرون بأن سياسات ترامب المعلنة كفيلة بالقضاء على المشكلة الأولى أي وجود داعش في العراق، اما فيما يتعلق بسوريا فيأمل اردوغان ان يتبع ترامب سياسة التقارب مع روسيا من اجل القضاء على داعش الذي ينفذ انفجارات في تركيا، كما يحتمل ان يبتعد ترامب عن وحدات الحماية الكردية وحزب العمال الكردستاني وهذا يفرح تركيا لكن هناك مشكلة كبيرة أمام الأتراك وهي رغبة فلاديمير بوتين بالقضاء على معارضي الأسد أي حلفاء تركيا أكثر من رغبته في ضرب داعش، كما يعتبر اردوغان بقاء الأسد في السلطة كابوسا يقض مضجعه.
ومن المشاكل الأخرى التي يعيشها اردوغان في التعامل مع ترامب هو موقف الأخير من الإسلام وحركة الإخوان المسليمن التي تعتبر حليفة لأردوغان كما يخشى اردوغان من قيام إدارة ترامب بممارسة الضغط على الاتراك المقيمين في امريكا.
ان اردوغان وفريقه المستبشرين بفوز ترامب لديهم قراءة خاطئة تجاه مفهوم الدولة في أمريكا فالنخب السياسية الأمريكية لم تعتبر ابدا تركيا دولة صديقة يمكن الوثوق بها، ان معسكر اردوغان يتكئ الآن على جدار متضعضع يمكن ان ينهار في أية لحظة فهل نسي هؤلاء انهم يواجهون شخصا يعادي الإسلام بأي شكل ويريد وضع يده في يد اعداء تركيا الحقيقيين؟ ان مرور الزمن كفيل بإظهار الحقيقة ومن المحتمل جدا ان هذا الكلام المعسول وهذا التودد من قبل اردوغان وفريقه تجاه ترامب لن يطول حتى شهر نوفمبر القادم.