الوقت- في الاشهر الماضية رفضت تركيا التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر جدة لمكافحة الإرهاب، وتهربت من المشاركة في التحالف الدولي المفترض لضرب "داعش"، متذرعة بخشيتها على مصير الرهائن الأتراك في القنصلية التركية بالموصل،المحتجزين لدى التنظيم الارهابي. الرفض التركي لم يكن صادما لاصحاب العقول المفتحة فاغلب التقارير التركية المعارضة لحكومة اردوغان، تظهر مساعدات مادية و عسكرية و لوجستية قدمتها انقرة لاطراف الارهاب كافة. التقارير التي كانت تخرج من الداخل التركي لم تعد اليوم قادرة على الانتشار بعد اقرار قانون تركي يقضي بملاحقة كافة وسائل الاعلام التي يثبت ترويجها لوثائق اثبات الغوص التركي في مستنقع الارهاب المتطرف. فهل يستطيع هذا القرار اخفاء الدور التركي في مساعدة و ترويج الارهاب المتطرف؟
قرار تعتيم اعلامي
قبل الغوص في تشريح القرار و تداعياته لا بد من ابراز تفاصيله التي لا تشكل سوى محاولة تركية لتغطية شمس المساعدات الواضحة التي تقدمها حكومة اردوغان للارهابيين بغربال المنع و القمع و التعتيم.
التقرير الذي انتشر في الايام الماضية على اكثر من موقع اخباري عالمي، يظهر قانونا تركيا حظرت من خلاله الحكومة التركية على وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي كشف وثائق تثبت، بان انقرة سلمت أسلحة إلى مجموعات اسلامية معارضة في سوريا.
وقد عمم المجلس الاعلى للاذاعة والتلفزيون،الذي يعتبر الهيئة المراقبة للاعلام التركي، على كافة وسائل الاعلام والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك قرارا قضائيا يهدد بملاحقات في حال نشر هذه الوثائق.
ولا يخفى على احد قصة اعتراض عناصر من الدرك عند الحدود السورية، قبل حوالي العام تقريبا، شاحنات تواكبها عربات تابعة للاستخبارات التركية محملة بالاسلحة لمجموعات معارضة تحارب النظام في دمشق. وكانت انقرة سارعت إلى إغلاق الملف ونفت نفيا قاطعا بانها دعمت هذه المجموعات المتطرفة . ونقلت المدعي الذي اشرف على العملية، الى منصب اخر ولاحقت عناصر الدرك الذين شاركوا فيها بتهمة "التجسس".
القرار التركي جاء بعد قيام صاحب حساب "لازيبيم" بنشر وثائق على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تؤكد ان الشاحنات كانت تابعة للاستخبارات التركية وطليت للتمويه بالوان منظمة انسانية.
التعتيم الاعلامي في تركيا ليس جديدا فغالبا ما تتعرض وسائل الاعلام التركية لمثل هذا المنع عن التغطية. كان ابرزها في حزيران العام الماضي حيث منعت السلطات من نشر اي معلومات عن اختطاف تنظيم داعش اتراكا في الموصل بالعراق.
وقد عمدت الحكومة في اوقات سابقة الى تعطيل موقت لموقعي تويتر ويوتيوب لمنع نشر اتهامات بالفساد تطال اوساط الرئيس رجب طيب اردوغان.
تاكيد المؤكد
القرار المتخذ من قبل الحكومة التركية يقطع الشك باليقين، و يؤكد الظنون و تقارير المعارضة التي تتحدث عن دعم اردوغان و حكومته للاعمل الارهابية ضد النظام في سوريا والعراق. ولا شك ان الهدف من هذا القرار التعتيم على مشروع الحكومة التركية الذي يقضي بالمحافظة على "داعش" للاستفادة منها باسقاط النظام السوري الذي لا يزال حتى اليوم شغل اردوغان الشاغل.
الواضح منذ بداية الازمة في سوريا والعراق محاولة الأتراك، ومعهم دول الخليج الفارسي، الاستفادة من هجوم "داعش"، فسوقوا لما سموه "ثورة"، ثم ما لبثت دول الخليج الفارسي، ان اعلنت "داعش" تنظيما إرهابيا، و بدات تشارك بحملات الحلفاء الجوية عليهم، لكن الأتراك استمروا في الحديث عن ظلم وتهميش تاريخيين أديا إلى ظهور "داعش"، فظهر الأتراك كمن يحاول فتح باب للحوار مع التنظيم الارهابي، أو مقاربته مقاربة عقلانية، أو اظهاره نتيجة طبيعية للصراع السني - الشيعي في المنطقة، وليس كمنظمة ارهابية تحاول اقتلاع المكونات الاسلامية وابادتها.
و لا شك ان انعقاد مؤتمر مكافحة الارهاب في السعودية، والذي يشير أن الأميركيين اختاروا السعودية لتكون الدولة التي من المفترض أن تقود هذا التحالف ضد الإرهاب اقليميا، اشعل الصراع على قيادة العالم السني بين الدولتين، ما لم تقبل به تركيا بأن تسلم القيادة لخصمها مما يساهم في إسقاط مشروعها للهيمنة على المنطقة. وبما ان المؤتمر لم يحقق المطالب التركية بان يكون اسقاط نظام الاسد اولولية العمليات العسكرية للتحالف، لا بد ان تسعى حكومة اردوغان لتقوية داعش كمحاولة لها لاسقاط الحكومة السورية بجهد شخصي.
ما تقدم يؤكد ان القرار التركي بمنع الاعلام من متابعة دوره في كشف الحقائق عن تورط انقرة بدعم الارهاب، يسعى لاخماد نيران الراي العام مستفيدا من مبدا رمي الرذاذ على العيون، عله يصل لجزء من اهدافه في المنطقة.
طباخ السم آكله
الواضح من الحكومة التركية بتصرفاتها هذه انها لا تستفيد من تجارب اسلافها. و بالرغم من مشاركة رئيس الحكومة التركي احمد داوود اوغلو في مسيرة باريس، محاولا محو الكثيرمن الاخطاء التي خلفتها سياسة اردوغان، لم يلتفت الى التجربة الفرنسية التي كانت لها حصة من العمليات الارهابية المتطرفة. علما ان المعارضة التركية قد حذرت انقرة في العديد من المواقف على خطر مساعدة المتطرفين الارهابيين، خوفا من ارتداد الاعمال الارهابية الى الداخل التركي.
وهكذا، بات واضحا أن الضغوط لن تجدي نفعا مع حكومة اردوغان في تغيير سياستها بدعم الإرهاب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيجرأ الأتراك على الاستمرار في دعم "داعش" وتزويدها بالذخائر والاموال، وتسهيل مرور المقاتلين، والاستفادة من النفط المسروق من العراق وسورية، بعدما فضحهم الإعلام ؟ وفي حال تم ذلك، هل تتجرع حكومة اردوغان من الكاس نفسه الذي شربت منه فرنسا سابقا؟