الوقت - أصدر مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، في 20 نوفمبر 2016، رسالةً کانت مختلفةً من حيث المعنى والمضمون عن رسائله في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في 2015 و2016. يمكن النظر إلى النقاط الرئيسية في هذه الرسالة في ثلاثة مستويات: أولاً، علی الأحزاب أن تضع على جدول أعمالها عملية الحوار السياسي مرةً أخرى، وبرلمان الإقليم الذي کان في حالة الفشل لأكثر من سنة، سيعيد عمله مجدداً، وسيتم اختيار رئيس جديد لبرلمان كردستان العراق.
ثانياً، تنشط الأحزاب مرةً أخرى لتشكيل حكومة جديدة في كردستان العراق، لإخراج النظام السياسي الذي يعيش حالةً هشةً، من ظروف الضغط هذه. وثالثاً، اختيار شخص مناسب لرئاسة إقليم كردستان العراق، أي المنصب الذي يتولاه مسعود بارزاني حالياً.
ولعل أهم جزء من هذه الرسالة يمكن النظر إليه في عدة نقاط رئيسية أخرى وهي: أولاً، الاعتراف بالوضع المتأزم وعدم فعالية حكومة كردستان العراق الحالية، ثانياً، الخوف من تعريض أسس الحكم الديمقراطي في الإقليم إلی الخطر، الأمر الذي برز في عجز البرلمان، والثالث، القبول بانتخاب رئيس جديد لكردستان العراق والذي شكل محور التحدي السياسي بين الأحزاب خلال العامين الماضيين.
رسالةً تمثِّل قبولاً بحقائق تفرض نفسها علی الإقليم
ليست رسالة بارزاني بياناً غريباً ومختلفاً جداً، بل هو مجرد تأکيد على أساسيات دستور الإقليم والعمليات السياسية في هذه المنطقة الاتحادية، بالإضافة إلى قبول حقائق الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية التي تسود إقليم كردستان العراق. وهو الإقليم الذي أقرَّ في دستوره بواقع تقاسم السلطة، دور البرلمان، موقع رئاسة الإقليم وتداول السلطة، ولكن نتيجةً للقضايا السياسية والحزبية، تم تعليق هذه العمليات لمدة عامين، وبيان بارزاني ليس سوى قبولٍ بهذه الأسس السياسية والقانونية.
کما تشير رسالة بارزاني إلی تراکم الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية علی هذه المنطقة والعراق. وعلی هذا المستوى ربما يمکن اعتبار بيان بارزاني، بصيص أملٍ لعودة سيادة القانون التي عدلت عنها القوى السياسية الكردية لبعض الوقت.
ذريعة إعلامية – دعائية
عند النظر إلى الوضع الحالي في كردستان العراق، نرى أن هناك ضغطاً سياسياً واقتصادياً هائلاً على هذا النظام السياسي، ومن الناحية الاجتماعية والاستبطانية أيضاً، ثمة العديد من الانتقادات من قبل الأحزاب والشعب، توجَّه ضد السيادة السياسية الحالية، وعلى وجه الخصوص الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئاسة الإقليم أي بارزاني. والمثال علی ذلك يمکن أن نذکر الأزمة الاقتصادية، ضغط حزب غوران (التغيير) لإجراء محادثات مباشرة بين بغداد ومحافظات الإقليم بدلاً من حكومة إقليم كردستان العراق، أزمة داعش، الضغط على بارزاني لعدم تنفيذ الاستفتاء على استقلال كردستان وتبديله إلی شعار سياسي واجتماعية لصالح حزبه، وکذلك اتهام حزب بارزاني بإخراج قطار الديمقراطية وتداول السلطة السياسية للإقليم من المسار الديمقراطي وعدم تنحيه عن السلطة.
في ظل هذا الوضع، يدعو بارزاني من خلال رفع شعار التغيير وإصدار بيان جديد، إلی العودة إلى المسار الديمقراطي، السعي إلی حل أزمة الإقليم، تفعيل نشاط البرلمان مجدداً وإيجاد خليفة لرئاسة إقليم كردستان العراق، وفي الأساس ربما يمكن اعتبار هدفه شعاراً للحد من الضغوط المتراکمة على حكومة إقليم كردستان العراق وبارزاني شخصياً. فهو بهذا البيان، يريد القول إن أزمات الإقليم لا ترتبط به کثيراً، ومن خلال استمرار الحالة المتأزمة للإقليم يحاول الإثبات بأن رئيس إقليم كردستان العراق يريد تغيير الحالة المتأزمة الحالية التي يعيشها الإقليم، ولكن الأحزاب والشخصيات السياسية المثيرة للتوتر هي التي ليست مستعدةً للإصلاح والتغيير.
في المجموع، لاقت رسالة مسعود بارزاني ترحيب الأحزاب والشخصيات السياسية في الإقليم، وأُعتبرت خطوةً جديدةً وإجراءً فعالاً وبوابةً لانفراج الأزمة في کردستان العراق. والأحزاب المنافسة لحزب بارزاني رأت في الرسالة أملاً للخروج من الأزمة، وعودة قطار الديمقراطية في الإقليم إلى مساره الرئيسي، وكذلك إعادة تنشيط أهم رموز الحكومة بما فيها البرلمان.