الوقت- خلافاً لما كان متوقّعاً، أسقط تسونامي ترامب غريمته الديمقراطيّة هيلاري كلينتون بالضربة القاضية حاصداً أكثر من 270 (290) من الأصوات الإجمالية البالغة 538 صوتا للفوز بمنصب الرئاسة الأمريكية، ليتوّج الرئيس الخامس والأربعين خلفا للديمقراطي باراك أوباما.
ترامب، الذي يريد إعادة أمريكا عظمية وفق شعاره الانتخابي، حصد 28 ولاية، مقابل18 ولاية لكلينتون، ليُحكم بذلك الحزب الجمهوري سيطرته على السلطات التنفيذيّة والتشريعية في البلاد بعد أن حافظ نواب الحزب الجمهوري على الأغلبية في مقاعد مجلس النواب، البالغ عددها 435 مقعدا، في الانتخابات التي أجريت بالتوازي مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، حاصدين 182 مقعدا في انتخابات مجلس النواب، مقابل 121 مقعدا للديمقراطيين، كما أنّهم تقدموا في انتخابات التجديد بمجلس الشيوخ.
الرهانات الغربية والعربية على فوز كلينتون سقطت اليوم، لتُفتح صفحة جديدة في البيت الأبيض عنوانها ترتيب أوراق أمريكا في المنطقة والعالم، بدءاً من أزمات الشرق الأوسط، سوريّاً وسعودياً وإسرائيلياً وعراقيّاً وإيرانياً، مروراً بأوروبا التي هزت كثيراً من فوز ترامب، وليس انتهاءً بالتنين الصيني في شرق آسيا، لاسيّما مع التوتّرات القائمة بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي.
ولم يخفِ الرئيس الخامس والأربعون لأمريكا، المجنون والغير منافق كما يحب أن يصفه البعض بخلاف كلينتون، خلال حملته الإنتخابية مواقفه إزاء العالم عموماً، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث اتضحت معالم خطة البيت الأبيض الجديد، والتي اتخذت في طابعها عنواناً اقتصادياً، كحال المليونير ترامب الذي يتحدث بعفوية الأمريكي "المتغطرس" الذي يعتقد أن بلاده تستطيع فعل ما تريد بعيداً عن المحاسبة.
قبل الدخول في الحديث عن تبعات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسيّة، لا بد من الإشارة إلى أن الثابت الوحيد خلال حقبة ترامب الرئاسيّة هي اللاثبات والتنصّل والبذاءة في المواقف الخارجيّة، كحال شخصيّة ترامب المتسرّع والبذيء. ترامب غيّر موقفه حول حظر دخول المسلمين لأمريكا وقصره على "دول الإرهاب"، وكذلك اليوم أسرع شاهد على ذلك سيكون تنصّله من قضية سجن كلينتون لأسباب يعلنها بنفسه، وهذا ما لمسنا في خطاب النصر حيث أشاد بكلينتون قائلاً: "هيلاري عملت بشكل كبير وطويل ونحن ممتنون لها ولخدمتها لدولتنا وأنا مخلص في هذه العبارة". اذاً، لا أقصد هنا ذلك التسرّع الغير مدروس، بل هو تسرّع أو تقلّب ستسخدمه واشنطن في ملفاتها الخارجيّة، وربّما الداخلية، لغاية في نفس مراكز صناعة القرار الأمريكي حيث سيعمد الرئيس المليونيرعلى إطلاق تصريحات بالستية يحصد نتائجها سريعاً، ليتراجع عنها في وقت لاحق بالطريقة التي يراها وإدارته مناسبة.
عوداً على بدأ، لن يكون الشرق الأوسط بمنأى عن تقلّبات ترامب، المتوقّعة والمنتظرة، على حدّ سواء؛ رغم أنّها تبقى في دائرة الوعود "الإنتخابية" التي لا تخلو من صعوبات التطبيق حين الترجمة العملية، وبالتالي لا بد من الإشارة إلى النقاط الآتية:
أولاً: في الملف السوري، سيسير الرئيس الجديد بخلاف سلفه أوباما، حيث تكشف تصاريحه السابقة حقيقة موقفه تجاه الأزمة السورية. فالرئيس الأسد أذكى وأقوى من كلينتون ومن أوباما، وفق ترامب، كما اعتبر أن "مشكلة الولايات المتحدة مع تنظيم داعش المتطرف وليست مع الرئيس السوري بشار الأسد"، ليس ذلك فحسب بل أكّد أنّه من الحماقة البحث في خروج الأسد من السلطة، ليدافع عن روسيا لأنهم يحاربون داعش ويضيف: "لن أحارب الأسد لكنني سأطارد "داعش" جديا". كل هذه التصريحات تفسّر فرحةً عفويّة ظهرت من بعض أبناء الشعب السوري على وسائل التواصل الإجتماعي، علّ الرئيس الجديد، لا يقف حجر عثر أمام وقف معاناتهم ومكافحة الإرهاب، كسلفه أوباما.
ثانياً: في الملف السعودي، سيختلف الوضع كثيراً حيث تعدّ الرياض التي دعمت حملة كلنيتون خلال السباق الرئاسي ، وفق ترامب نفسه، الخاسر الأكبر من النتائج. الخبية السعودية، ستزداد مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وإمساك حزبه لقرار الكونغرس. ربّما تبحث الرياض اليوم عن حليف آخر لأن الرئيس الأمريكي الجديد وعد بذبح البقرة الحلوب، أي السعودية، متى جفّ حليبها، فضلاً عن قانون "جاستا" الذي سيجعل أكثر من 750 مليار دولار أمريكي في مهب الرياح الترامبية التي ستُبقي وعودها على الرف طالما تحصل على "الحليب". كل هذا والبقرة الحلوب تعيش فصل جفاف نفطي ألفى بظلاله داخلياً عبر بعض سياسات التقشّف.
ثالثاً: في الملف الإسرائيلي، لا خلاف بين ترامب وكلينتون حول "اسرائيل"، فهذا الطفل المدلّل لايتأثر بفوز ترامب هنا أو كلينتون هناك، والكيان الإسرائيلي يعد الثابت الوحيد في السياسية الخارجية بين ترامب وكلينتون. ترامبياً، وعد الرئيس الجديد بنقل العاصمة من تل أبيب إلى القدس، إلا أن هذا الملف تحديداً، لا يقتصر على القرار الأمريكي فحسب، بل على الرباعيّة الدولية التي تعتقد بأنها أحرزت تقدّماً في مفاوضات السلام. "اسرائيل" ستزيد من عدائيتها وتنسف كافّة المفاوضات أو الثوابت التي راعتها أو فرضت عليها خلال حقبة أوباما، خاصّة أن ترامب أكّد دعمه الكامل للنظام الإسرائيلى فى مواجهة ما سماهم بـ "المتطرفين" حسب قوله. وهذا ما يفسّر تأكيد الكيان الإسرائيلي للمبعوث الفرنسي، بالأمس، عدم مشاركته بأي بمؤتمر دولي يعقد خلافا لموقفها.
رابعاً: لن يكون الإتفاق النووي الإيراني بمنأى عن سياسة ترامب الخارجية فقد وعد بتمزيقه ، لكن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي سارع بعد فوز ترامب للإعلان عن استعداد ايران لكل طارئ بعد انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية رغم أننا سنحاول الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي. وفي وقت سابق ردّ قائد الثورة الإسلامية على تهديد الأمريكيين بتمزيق الإتفاق النووي بالقول " إذا مزقتمّ الإتفاق فإننا سنحرقه". هنا لا بد من الإشارة أن الاتفاق النووي ليس محصوراً بأمريكا فقد قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، اليوم الأربعاء، إن "فرنسا ستواصل عملها مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب، لكنها بحاجة لاستيضاح موقف واشنطن من التغير المناخي والاتفاق النووي مع إيران والأزمة السورية"، وبالتالي فإن أي موقف أمريكي يحتاج إلى تنسيق مسبق مع أوروبا وروسيا، بخلاف الأزمة السوريّة والعلاقة مع السعودية.
عهد الترامب، هو زمن متغيّرات يصنعها الرئيس الجديد الذي صوّره إعلام بلاده على أنه سفيه، وتحديداً في تلك الملفات الإقليمية التي لم تلتزم فيها أمريكا بثوابت مع الأوروبيين، كالأزمة السورية والعلاقات مع السعودية، ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سينجح ترامب فر فرض قراراته على دول المؤسسات الأمريكية. لا جواب، ففي حين يرى البعض أن أمريكا دولة تحكمها المؤسسات وليس الرئيس، يؤكد آخرون أن الرئيس الأمريكي القادم جمهوري ومجلس النواب جمهوري، ومجلس الشيوخ جمهوري، وبالتالي يجب توقع تغيير حاد في السياسات الأمريكية، الأمر الذي يؤكد أن الزلزال الانتخابي أغرق أمريكا والعديد من دول العالم في مرحلة غموض قصوى، تحدّدها سنوات ترامب الأربعة الحاسمة.