الوقت- في الوقت الذي تُنَصِب امريكا نفسها وصية على حقوق الإنسان في العالم، تقوم بالعديد من الانتهاكات اللاانسانية بحق البشر على امتداد المعمورة وحتى في الداخل الامريكي. فسجل واشنطن بجرائم حقوق الانسان لا تعد ولا تحصى بدءاً من القاء القنابل الذرية على اليابان في مدينتي هيروشيما وناجازاكي ابان الحرب العالمية الثانية وصولاً الى التاريخ الناصع السواد في حرب الفيتنام وما تلاها من كل الحروب التي خاضتها وتخوضها واشنطن في العراق وأفغانستان وصولاً الى الجرائم البشعة التي نراها بين الفينة والأخرى داخل امريكا وما تقوم به السلطات من ممارسات لاأخلاقية بحق مواطنيها السود والتي يدمى لها جبين البشرية فضلاً عن الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين.
كل هذا وذلك يحصل بحيث أن التمييز العنصري وصل في امريكا إلى مراحل خطيرة، ولكن تستطيع واشنطن وبحفنة من المال شراء ذمم الكثيرين وخاصة الحلفاء الذين نراهم صامتين ولا يتحدثون في مجلس حقوق الإنسان عن ذلك ولا عن برامج التعذيب التي يستخدمها الأمريكيون وعرفها العالم.
واشنطن وانتهاكات حقوق الانسان حول العالم:
أمريكا التي تتحف دول العالم بتقاريرها السنوية عن حقوق الانسان تستخدم هذه التقارير كشماعة للتدخل في شؤون الدول الاخرى وفرض سياستها الانتقائية اتجاه هذا الموضوع. فاذا كانت هذه الدول تدور في الفلك الامريكي فلا ضير للعم سام كتابة تقارير تبقى طي الدروج الصدئة للبيت الأبيض كما هو الحال مع الموقف الامريكي تجاه ملف حقوق الانسان في السعودية وقطر وحتى بورما. أما اذا كانت هذه الدول تتبع سياسات خارج ما يمليه المزاج الامريكي فلا بد من التلفيق والتسيس والتدليس كما هو الحال مع التقارير الجاهزة لانتهاكات حقوق الانسان التي تصدر عن وزارة الخارجية الامريكية الخاصة بالحقوق في الصين وكوريا الشمالية.
فامريكا لها تاريخ عريق في انتهاكات خصوصية الأفراد والدول فقد نفذت ما عرف بـ"مشروع بريزم" الخاص بعمليات الرصد والتنصت طويلة المدى وبشكل مكثف على الإتصالات داخلها وخارجها على حد سواء، مرتكبة بذلك مخالفة صارخة للقانون الدولي وانتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان.أما على صعيد التعدي المباشر والعلني على بلدان ذات سيادة وازهاق ارواح الاف المدنيين فحدث ولا حرج و الضربات الجوية بطائرات دون طيار تشهد بذلك وتشمل هذه الهجمات كلا من باكستان واليمن وأفغانستان و العراق وسوريا وغيرها من البلدان، ما تسبب في سقوط عدد كبير من المدنيين.
حقوق الانسان في الداخل الامريكي:
اذا هذه الازدواجية الامريكية ليست جديدة ولا تفارق واشنطن عادتها في إصدار التقارير التي تدين انتهاك حقوق الإنسان في عديد من الدول، لا تستثني دولة دون أن تدينها بانتهاكات لحقوق الإنسان على أراضيها، منصّبة نفسها مجدداً كقاض لحقوق الإنسان في العالم. متناسية ممارسات أجهزة الشرطة الامريكية مع المواطنين وحرية التعبير التي تتشدق بها. فهل يخبرنا العم سام ماذا حل بمنظمة احتلوا وول استريت السلمية وكيف قمعت واعتقلت؟ أم يحدثنا عن العنف المتزايد بحق المواطنيين السود حيث لا يكاد يمر اسبوع دون نشر خبر هنا وفديو هناك يظهر رجال الشرطة الامريكية وطريقة قتلها للسود بطرق وحشية وبدم بارد. كان اخرها قبل أيام حيث أظهر شريط فيديو بث على الانترنت الأحد مقتل رجل مشرد برصاص الشرطة في لوس انجلس، كما أفادت وسائل اعلام محلية والفيديو الذي بث على موقع فيسبوك يظهر شجارا عنيفا بين رجل ورجال شرطة في حي سكيد رو الفقير والواقع قرب وسط المدينة. ويأتي بث هذا الشريط بعد حوادث عديدة شهدتها مدن امريكية في الاونة الاخيرة وقتل فيها رجال سود برصاص رجال الشرطة مما اعاد الى الواجهة جدلا مستحكما حول العنصرية في اوساط قوات الامن والمساواة في النظام القضائي وادى لنزول آلاف المتظاهرين الى الشوارع في نهاية 2014.
التميز بحق السود لا يتوقف على جريمة أسبوعية فقط بالرغم أهمية الحدث ولكن تؤكد الدراسات الامريكية نفسها أن السجون الامريكية هي الأمكنة التي يتم فيها أكبر تجاوز لحقوق الإنسان في امريكا ويعامل موظفوا السجون المعتقلين معاملة مهينة ، خاصة السود والمهاجرين والنساء ، الذين يتعرضون لكثير من عمليات التعذيب وتؤكد الدراسات أيضاً أن السود الذين يمثلون 12% من سكان امريكا يشكلون 42% من المسجونين، وتعود هذه الفجوة الكبيرة الى السود هم الأكثر فقرا، كما أنهم الفئة الأكثر تعرضا للظلم في توزيع الناتج الوطني. وينعكس هذا التمييز العنصري على النظام القضائي، إذ يحكم السود والمهاجرون بعقوبات قصوى في الدعاوى التي يحاكمون بها.
وفي سياق متصل يشير المتخصصون في هذا المجال أن التعذيب والعنف داخل أمريكا أصبح "نمط تعامل" و ليس مجرد ممارسة عشوائية، فالممارسات اللا إنسانية المطبقة في السجون تطبق في الشوارع على الفقراء والسود والمهاجرين. ولا ينجو الأطفال من تلك السياسة اللانسانية، حيث تكشف الدراسة عن تعرض الأطفال لانتهاكات خطيرة لحقوقهم، حيث يتعرضون للتعذيب أثناء وجودهم رهن الاعتقال.
وأظهرت دراسات حقوقية أيضاً أن الشبان الذين ينتمون إلى الأقليات الإثنية، وخاصة الامريكيين من أصل أفريقي، معرضون بشكل أكبر لأن يسجنوا و يقضوا فترات أطول في السجن من الشبان البيض الذين توجه إليهم تهم بارتكاب جرائم مشابهة. وعلى مدى السنوات الماضية ومنذ استقلال امريكا، لم تنطفىء نار العنصرية وظلت تتحرك تحت الرمال، والدلالة على ذلك تكرار حوادث العنف العنصري خلال اسبوع تقريباً بين البيض والسود في أكثر من مدينة أمريكية، وهذا ماتؤكده التقارير الحقوقية التي تشير الى ارتفاع جرائم الكراهية والجرائم القائمة على أساس عنصري.
من الجدير ذكره هنا أن امريكا تعتبر الدولة الثانية إلى جانب الصومال التي لم توقع بيان حقوق الطفل الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، بالأضافة الى معاهدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومعاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و معاهدة حقوق المعوقين وغيرها مما يعتبر سلسلة من الاتفاقيات الأساسية الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان فيصح القول هنا رداً على هذه الازدواجية الأمريكية :" لا تنه عن خلق وتأتي مثله ..."