الوقت- الاختلافات الجوهرية بين موسكو وواشنطن التي بدأت منذ الأيام الأولى من الألفية الثالثة، قد تجلت خلال السنوات الماضية بشكل أكثر. لكن بعد التطورات في ليبيا وخطط الناتو لمهاجمة هذا البلد والتي تجاوزت قرار مجلس الأمن أيضاً، أصبحت الاختلافات أكثر وضوحاً، حتى وصلت إلى ما يحدث في سوريا. ثم خلق تدخل الغرب في أوكرانيا الذريعة لتدخل العقوبات الأمريكية ضد روسيا علي خط التنافسات والصراعات. الأمر الذي أوجد عقوبات أمريكا وأوروبا علي روسيا، وفرضها الغرب عدة مرات علي موسكو، وتستهدف هذه العقوبات إضافة إلي الجوانب السياسية والاقتصادية، تشديد العبء النفسي على موسكو.
ومع ذلك فإن القضية الأساسية هي أنه كما يمتلك الغرب القدرة علي فرض العقوبات، فإن روسيا هي الأخري قادرة علي استخدام الرد المتبادل، وخلق التحديات لهذه البلدان. ولا ننسي أن وضع الدول الأوروبية أكثر هشاشة من أمريكا.
وسبب ذلك هو أولاً أن المساحة الجغرافية بين أمريكا وروسيا أكثر من مساحة روسيا وأوروبا، وخاصة في المجالات السياسية والأمنية الفاعلة. ولهذا السبب ونظراً لتأثر أوروبا من الموجات الأمنية المتأزمة في الحدود الشرقية أكثر من أميركا، فإن هذا الاتحاد عرضة لمخاطر عديدة. خصوصاً أن النظرة الدولية لأوروبا إلى النظام الدولي ليست أمنية مثل أمريكا وروسيا، بل هي سياسية واقتصادية تماماً.
والمسألة الأخرى هي أن أمريكا ليس لديها تعاون اقتصادي كبير مع روسيا، كي تتضرر بشكل ملحوظ مع تنفيذ العقوبات. وهذا الأمر يصدق أيضاً علي سياسة العقوبات الأميركية الأخري ضد البلدان المعارضة لهيمنتها.
ولكن بما أن أوروبا وبعد الحرب العالمية الثانية وتنفيذ "خطة مارشال"، لم تستطع بعد التحرر من التوجهات الأمريكية الدولية، فهي مضطرة دائماً لتأييد هذه التوجهات حتي إذا تعرضت من أجل ذلك إلي أضرار فادحة. بينما نظراً لتزايد الشعور بالاستقلال السياسي والاقتصادي في البلدان الأوروبية ولا سيما ألمانيا، فإن حرب العقوبات بين أمريكا وروسيا، يمكن أن تفصل أوروبا عن أميركا في المجال الاقتصادي وسياسة العقوبات على الأقل. وخلافاً لذلك فإن أوروبا ستكون الضحية للصراع علي مدي التوسيع أو الحد من القوة بين موسكو وواشنطن.
والقضية الأخرى هي أن روسيا قد أوجدت بالقرب من حدود أوروبا إمبراطورية للطاقة التي تحتاج إليها أوروبا كثيراً، بحيث أطلق البعض علي روسيا "محطة غاز" الاتحاد الأوروبي. وكعينة إحصائية فقط، أعلنت "إدارة معلومات الطاقة" أن الصادرات الروسية من النفط والغاز إلى أوروبا في عام 2012، كانت 70 في المائة. وجزء كبير من هذه الصادرات تصل إلى بلدان أوروبا الغربية الغنية، والتي تواجه العديد من المشاكل لإنتاج الطاقة.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد سعي على مدى السنوات الماضية لخفض هذا الاعتماد الشديد، ولكنه لم يجد لذلك سبيلاً حتي الآن، والطريق البديل الوحيد الذي يمكن أن يقلل من هذا الاعتماد بشكل ضئيل، هو مشروع نابوكو الذي واجه العديد من المشاكل مع سياسات روسيا الخاصة في آسيا الوسطي وسياسات أمريكا المحددة في الشرق الأوسط.
ولذلك يمكننا أن نستنتج أنه في الصراع حول بقاء أميركا في طليعة القدرة العالمية وعودة روسيا إليها، فإن أوروبا التي لا تزال لاتملك النهج المستقل في الساحة الدولية وخاصة في المجالات السياسية والعسكرية، تتبع سياسة العقوبات الأميركية ضد البلدان التي لا تخضع للهيمنة وترفضها. ولا شك أن هذا الاتباع في المجالات الاقتصادية سيضرها في نهاية المطاف، ويعرضها للكثير من التحديات.
وحالياً تجد أوروبا نفسها بين المنافسات السياسية - الأمنية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والروسية وتري أنها على مفترق طرق، فهل تواصل حياتها عبر السياسة الأمريكية أو تختار نهجاً مستقلاً بعد مضي سبعين عاماً علي الحرب العالمية الثانية. وكلا المسارين سيضع الاتحاد الأوروبي في وضع مختلف، إلا إذا أقنع أميركا بإنهاء حرب العقوبات مع روسيا كي لا يتعرض لمزيد من الضغوط من الجانبين الأمريكي والروسي.