الوقت- في عالم اليوم ثمة مقارنة مباشرة بين استخدام فنون الإعلام وتحقيق الأهداف السياسية، وفي الواقع باتت وسائل الإعلام اليوم في طليعة الحركات الاجتماعية وحتي العسكرية، بحيث أصبح من الضروري القيام بشن غزو إعلامي قبل البدء بغزو عسكري.
وتنظيم داعش الإرهابي يمثل النموذج الأول من الجماعات الإرهابية التي جمعت "العنف المتطرف" و"الجوانب الإعلامية القوية" في آن واحد. فامتلاك حساب علي التويتر ونشر المنشورات، والأهم من ذلك إنشاء كليبات عالية الجودة والدقة، قد جعل الأنظار تتجه إلي هذه المجموعة. وهذا النهج الإعلامي لميسبق له مثيل في المجموعات المماثلة مثل طالبان والقاعدة وبوكو حرام وغيرها بهذا الشكل.
واستخدام هذه الجماعة الإرهابية لوسائل الإعلام بشكل كثير، يخلق أسئلة في الأذهان بحاجة إلي إجابة لها. أسئلة من قبيل لماذا يستخدم داعش تكنولوجيا السينما أكثر من أي شيء آخر؟ لماذا يضع الدواعش سيناريوهات لأفلامهم، ويحاولون تقديم أفلام قصيرة ووثائقيات هوليوودية ذات جودة عالية إلي مخاطبيهم؟ لماذا الموضوع الرئيسي للأفلام المنشورة هو معاقبة الناس؟ لماذا يشكل العنف المحور الرئيسي لهذه الأفلام؟ لماذا الناس الذين يقتلون في هذه الأفلام هم في الغالب من مواطني بعض البلدان (أمريكا وبريطانيا واليابان ومؤخراً وسوريا والأردن)؟ ما هو السبب في تغيير طريقة الإعدام من قطع الرأس إلي الحرق ووضع الشخص الذي يراد إعدامه في القفص؟ ما هو السبب في تغيير ملابس الدواعش وتغيير لونها؟ من هو المخاطب الرئيس لهذه الكليبات؟ والأهم من ذلك كله من هم مقدمو الرسائل والمجموعة المستهدفة والرسالة الرئيسية لهذه الأفلام؟
ما هو مؤكد هو أن رسالة هذه اللقطات لجزء من المخاطبين المتعاطفين مع داعش في جميع أنحاء العالم (أوروبا وأمريكا وآسيا وغيرها)، هي رسالة النصر والانتقام من أعداء الإسلام واستقرار الحق، والقول لهم تعالوا وكونوا شركاء معنا في هذا الفتح. ومع ذلك فإن رسالة هذه اللقطات جاءت بنتيجة معكوسة لدي الكثير من الناس وحتي المتعاطفين مع التنظيم، وأوجدت فيهم الكراهية والاشمئزاز تجاه هذه الأعمال البربرية والهمجية.
فهل من المعقول أن تنظيم داعش الإرهابي يستخدم أحدث التقنيات لخلق الاستياء والكراهية ضد نفسه؟ وهل بث الرعب والخوف وابتزاز المخاطبين، هو الهدف الرئيس لمنشئي هذه الأفلام؟
وإذا علمنا أن هذه الموجة الإرهابية القوية تتلقي أكبر ضخ للأموال والأسلحة من الدول الغربية- بوساطة أو دون وساطة -، وألحقت أكبر الأضرار للوحدة والتكامل بين الدول الإسلامية، وأساس قيامها هو خلق الصراع بين السنة والشيعة ونسيان العدو الرئيسي للمسلمين ومحتلي القدس، إذا سلمنا بهذه الأمور فيجب حينها أن نقول إن الغرب كان أكثر الرابحين من خلق هذا الوحش السفاك والمتعطش للدماء والأحداث الأخيرة في العالم الإسلامي.
من جهة أخرى طالما أن دول المنطقة مثل تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة وفوق كل ذلك السعودية، تشعل نار الحرب في المنطقة عبر دعمها لهذا التنظيم الإرهابي، فإن من يحتل القدس ينظر براحة بال إلي تقويض الدول الإسلامية على نحو متزايد. ووفقاً لذلك، يجب اعتبار المخرج والمرسل الأصلي للرسالة في الكليبات العالمية لإعدامات داعش، هو الغرب وخاصة أمريكا.
لقد حاول الغرب كثيراً تقديم جماعات إسلامية مثل حماس وحزب الله، علي أنها جماعات تنتهج العنف، وسعي إلي وضعها علي لوائح الجماعات الإرهابية، ولكن فشل هذا التكتيك في إقناع المفكرين والشعوب الغربية كما ينبغي. ولذلك يحتاج الغرب اليوم إلى رسالة أقوى، تجسد مرة أخرى جميع ادعاءاته في السنوات الماضية، وتقول للعالم إن رسالة الإسلام ليست سوي "العنف المطلق". العنف الذي يعدم سائق شاحنة لأنه قرأ الآيات القرآنية بشكل خاطئ، ويهاجم مكتب وموظفي مجلة شارلي ابدو ويقتلهم بجريمة إهانة النبي (ص). والعنف الذي يمكن أن تكون ضحايا إعداماته مواطنين من أمريكا وأوروبا واليابان أو أي بلد آخر، والعنف الذي لا يفكر سوي في "التدمير".
وإذا فشل الغرب في تقديم نموذج موضوعي للعنف الإسلامي، فلن يكون قادراً علي احتواء الموجة الإسلامية الحكيمة والمسالمة في أوروبا وأمريكا، ولن يكون قادراً علي تقديم سبب مقنع لتواجده غير المشروع في هذه المنطقة والهيمنة على الشعوب الإسلامية. وفي نهاية المطاف يجب أن يستقر في عقل الجمهور الغربي، أنه إذا كان الإسلام الإيراني صانعاً للإرهاب، والإسلام السعودي والقطري والإماراتي صانعاً للإرهاب أيضاً، فإذن المشكلة في أصل الإسلام. وهذه هي الرسالة التي يجب أن يتلقاها المخاطب الغربي من مجموع الإنتاجات الإعلامية المذكورة. وتنظيم داعش قد تولي القيام بجزء من هذه المهمة.
إن الغرب يريد تقديم رسالة للدول الإسلامية وغير الإسلامية مفادها أنه لا أمان لأحد في حال وجود الإسلام كيفما كان هذا الإسلام، ولا رسالة لهذا الدين سوي التدمير، ويجب أن نخاف من الإسلام. وطالما أن الغرب ينشئ هذه الرسائل وداعش يقدمها، فإن إثارة الفتن من قبل الغرب ستستمر في هذه المنطقة، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع هذه الفتن هو الوعي الديني والسياسي لشعوب المنطقة، ولا شيء سواه.