الوقت - بعد الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الحرب الباردة سعت أمريكا إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة نفوذ الإتحاد السوفيتي السابق، كما سعت إلى تقوية دورها السياسي في الشرق الأوسط في إطار إستراتيجية تهدف إلى الهيمنة على مقدرات دول هذه المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمصير شعوبها.
ومن الأساليب الأساسية التي إعتمدتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة طيلة العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية فترة الحرب الباردة لتحقيق التوازن أو التفوق على الإتحاد السوفيتي إيجاد قواعد عسكرية في مختلف مناطق العالم لاسيّما في الشرق الأوسط.
وشرعت واشنطن في بداية تنفيذها لهذه الإستراتيجية إلى إنشاء قواعد عسكرية في الدول التي هُزِمت في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية قبل أن تنتقل وبشكل تدريجي إلى الشرق الأوسط باعتبارها منطقة حيوية جداً في تحقيق التوازن العسكري مع الإتحاد السوفيتي. ويمكن القول بأن هذه المنطقة قد تحولت بعد مدّة قصيرة إلى ما يشبه الحديقة الخلفية للبيت الأبيض. ليس هذا فحسب؛ بل تمكنت أمريكا من الهيمنة على مقدرات معظم دول الشرق الأوسط في إطار مشروع أكبر وأوسع يهدف إلى السيطرة على العالم أجمع من خلال إيجاد قواعد عسكرية في العديد من الدول من بينها العراق والسعودية والكويت والبحرين وقطر وتركيا وأفغانستان ودول منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز.
وبإلقاء نظرة سريعة على عدد ونوعية هذه القواعد وطريقة توزيعها على إمتداد الخريطة الجغرافية للمنطقة يتضح بصورة جليّة أنَّ الهدف من هذه القواعد لا يقتصر على تحقيق غايات عسكرية؛ بل يهدف إلى تكريس واقع يخدم الإستراتيجية السياسية والإقتصادية الأمريكية في المنطقة والعالم.
وتؤكد التقارير المتوفرة في هذا المجال أنَّ وجود القوات العسكرية الأمريكية ورغم التخفيضات في الموازنة المالية لا يزال واسعاً جداً. فمن أصل 1.4 مليون عسكري في الخدمة الفعلية، نشرت واشنطن 350 ألفاً من قواتها العسكرية في ما لا يقل عن 130 دولة أجنبية في مختلف أنحاء العالم، إذ يوجد أكثر من 750 قاعدة، بعضها يعود إلى حقبة الحرب الباردة، ولكن الكثير منها يقع في منطقة الشرق الأوسط أو بالقرب منها.
وبعد إنتهاء فترة الحرب الباردة نتيجة إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 إنحسر المد الشيوعي إلى حد كبير في الشرق الأوسط والكثير من مناطق العالم وزادت أمريكا من مساعيها في إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة خصوصاً الدول المجاورة أو القريبة من إيران.
وأدت تداعيات حرب الكويت عام 1991، والفترة التالية لها إلى تحول كبير في شكل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، باتساع نطاق التسهيلات المقدمة للقوات الأمريكية في قواعد ومحطات وموانئ ومطارات ومعسكرات ومراكز الغالبية العظمى من دول المنطقة ذات العلاقة بواشنطن، ما أدى إلى تزايد عدد القواعد العسكرية الرئيسية بشكل غير مسبوق.
وقبل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كانت معظم القوات العسكرية الأمريكية تتمركز في أوروبا وشرق آسيا. ولكن إرتفع عدد عمليات الإنتشار في الشرق الأوسط بشكل كبير خصوصاً خلال الهجمات العسكرية الأمريكية اللاحقة في كل من أفغانستان والعراق.
وتستهدف هذه القواعد تحقيق عدّة أهداف يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
- الحفاظ على الحكومات الموالية لواشنطن والتلويح باستخدام القوة ضد أيّ دولة تعارض الوجود الأمريكي في المنطقة.
- الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي ضد أيّ محاولة تهدف إلى دعم جهاد الشعب الفلسطيني من أجل إستعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن.
- تأمين طرق عبور مصادر الطاقة من المنطقة إلى مختلف مناطق العالم.
- يعتقد الكثير من المراقبين أن العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط تقوم بمهمة خاصة منذ نحو أربعة عقود وحتى الآن تتلخص بمراقبة إيران في مختلف المجالات العسكرية.
- توفير الحماية للمؤسسات التي تعمل على نشر الثقافة المادية الغربية لاسيّما الأمريكية في أوساط شعوب المنطقة. وهذا الأمر يمكن ملاحظته بوضوح بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
- دعم الحكومات الديكتاتورية في المنطقة ضد أيّ محاولة شعبية للإطاحة بها.
ووفقاً للأرقام التي أعلنتها القيادة المركزية الأمريكية في وقت سابق، هناك نحو 125 ألف جندي أمريكي على مقربة من إيران، بينهم نحو 20 ألفاً موزّعين على السفن البحرية الأمريكية في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سعت إلى زرع حكّام عملاء لها في الكثير من دول المنطقة، وظيفتهم الأساسية تقديم تسهيلات للقوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في بلدانهم ورفض أيّ مطالب شعبية لإخراج هذه القوات بحجج وذرائع مختلفة منها أنَّ هذه القوات تمنع حصول أيّ هجوم من جانب أيّ دولة أخرى في المنطقة، في حين أثبتت الوقائع التاريخية بأنَّ هذه القوات لن تبقى ليوم واحد في حال صدرت لها الأوامر خصوصاً إذا ما تعرضت لهجمات من قبل قوى محلية كما حصل في لبنان عام 1982 عندما تم مهاجمة قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) والتي أسفرت عن مقتل وجرح المئات منهم، وكما حصل في الصومال عندما تمكن محتجون من سحل طيار أمريكي في شوارع العاصمة "مقديشو" عام 1993، مما أرغم واشنطن على سحب قواتها بسرعة من هذا البلد.