الوقت- رغم المشتركات العديدة بين أمريكا وتركيا، سواءً لناحية العلاقات الاقتصادية والسياسية الواسعة، أو لناحية وجود الإثنين ضمن حلف الأطلسي، إلا أن العلاقة بدأت بالتراجع مع اعتماد واشنطن على الأكراد في مواجهتها لتنظيم داعش الإرهابي، لتبلغ ذروتها إثر الإنقالاب الفاشل الذي وجّهت فيه أنقرة أصابع الإتهام إلى واشنطن.
اليوم، ورغم التحسّن النسبي للعلاقات بين البلدين والحديث عن مشاركة تركية أمريكية في معركة الرقّة ضد تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن رواسب "الغدر الأمريكي" ببالحليف أردوغان في الفترة الأخيرة ، وقضية تسليم فتح الله غولن لا زالت ظاهرة في مستقع العلاقات بين البلدين.
تركيا تطالب أمريكا رسمياً بتسليم غولن
بعد النقاش الذي حصل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الصين هذا الشهر حول تسليم غولن، قدّمت تركيا طلباً رسمياً إلى أمريكا، لإلقاء القبض على رجل الدين فتح الله غولن، المقيم في أراضيها بتهم تدبير محاولة الانقلاب العسكري، التي وقعت في تركيا يوم 15 يوليو/تموز، بحسب قناة (إن.تي.في) التلفزيونية التركية الثلاثاء.
وتتهم أنقرة الحركة الدينية - التي يقودها غولن بالتخطيط للمحاولة الفاشلة التي قاد خلالها جنود مارقون طائرات حربية ودبابات وقصفوا مبنى البرلمان، واستولوا على أكثر من جسر في البلاد، سعياً للاستيلاء على الحكم.
جاويش أوغلو: على سفير واشنطن بتركيا أداء واجبه برزانة ومهنية
ويأتي طلب أنقرة بعد مطالبة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، السفير الأمريكي في بلاده بالإلتزام بإتفاقية فيينا التي تنظم العمل الدبلوماسي بين الدول بما يحافظ على سيادة كل منها. وقد قال في كلمة له خلال زيارة معايدة أجراها إلى حي "ماناوغات" بمدينة أنطاليا، أمس الثلاثاء، بمناسبة عيد الأضحى المبارك.: ينبغي على سفراء أمريكا لدى بلاده، أداء واجباتهم برزانة ومهنية وفق محددات اتفاقية فيينا، وعدم محاولة التصرف كحكام "لأننا لن نسمح لهم بذلك قطعًا". وأضاف جاويش أوغلو أنه "لا مناط أمام أمريكا سوى التعامل مع تركيا كشريك على قدم المساواة".
جاويش أوغلو يُبلغ كيري انزعاج تركيا من تدخل السفير الأمريكي بشؤونها الداخلية
في السياق ذاته، أبلغ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، نظيره الأمريكي جون كيري، انزعاج بلاده من تصريحات السفير الأمريكي لديها بخصوص تعيين 28 رئيس بلدية جديد في عموم البلاد، وفقًا لمصادر دبلوماسية تركية.
ونقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن المصادر الدبلوماسية ذاتها، قولها إن جاويش أوغلو أجرى مكالمة هاتفية مع كيري، وبحثا معًا المستجدات الأخيرة في المنطقة وعلى رأسها اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.
ويأتي انتقاد الوزير التركي إثر إعراب السفارة الأمريكية فى أنقرة عن قلقها بشأن تقارير تحدثت عن اشتباكات فى جنوب شرق تركيا بعد قرار حكومى بعزل رؤساء أكثر من 20 بلدية للاشتباه فى صلتهم بالمسلحين الأكراد.
وقالت السفارة فى بيان نشرته على حسابها بموقع تويتر "نشعر بقلق بشأن تقارير عن اشتباكات فى جنوب شرق تركيا بعد قرار الحكومة عزل بعض المسؤولين المنتخبين من مناصبهم لاتهامهم بدعم الإرهاب وتعيين محليين ممن تثق بهم بدلا منهم."
القيادة المركزية الأمريكية: "درع الفرات" لم تؤثر على جهود محاربة داعش
وفي سيق العلاقات الباردة بين البلدين قلّلت أمريكا من تأثير العلمزيلة العسكرية التركية في شمال سوريا، فقد نفى قائد القوة الجوية للقيادة المركزية للجيش الأمريكي الفريق جيفري هاريغان أن يكون لعملية "درع الفرات" التي تقودها تركيا لدعم "الجيش السوري الحر" في حربه ضد تنظيم "داعش" الإرهابي تأثير على جهود محاربة التنظيم المتطرف.
وفي رد على سؤال صحفي حول تأثير عملية درع الفرات على قدرات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في محاربة التنظيم المتطرف، رد هاريغان في الموجز الصحفي الذي عقده اليوم الثلاثاء من بغداد عبر دائرة تلفزيونية خاصة مع صحفيين في واشنطن أن عمليات درع الفرات "ليس لها أي تأثير على قدراتنا في مواصلة الضغط على داعش وضربه في ساحات القتال".
وأوضح هاريغان أن قوات التحالف الدولي قامت بتنسيق الأجواء مع الجيش التركي بغية عدم حدوث أي حوادث بين طائرات الجانبين التي تقوم بضرب التنظيم الإرهابي.
أستاذ قانون دولي: العلاقات التركية الأمريكية تجددت مع بقاء الخلافات على حالها
من جانبه، أشار ريتشارد فولك أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون إلى أن لقاء أمريكا وتركيا في قمة العشرين المنعقدة في الصين، تخلل تعبير الرئيس الأمريكي أوباما عن حزنه الشديد لما أصاب تركيا بتاريخ 15 تموز/ يوليو، واصفًا محاولة الانقلاب "بالمحاولة المُرعبة"، وهذه الجملة بلا ريب نالت إعجاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انتظر من أمريكا مثل هذه التصريحات.
أشار فولك إلى أن تعبير أوباما عن انذهاله وإعجابه الشديدين من نزول الشعب التركي إلى الشارع ودفاعه عن حكومته المنتخبة حمل في طياته روح التكاتف الأمريكي التركي، ولكنه لم يرقَ إلى ما هو أكثر ذلك.
ورأى فولك أن لقاء أوباما مع أردوغان وجهًا لوجه لأول مرة منذ محاولة الانقلاب، وتعبيره عن سعادته لبقاء أردوغان على رأس عمله ساهم في تجديد روح العلاقات، لكن هذه الروح الجديدة لم تُسهم في توصل الطرفين إلى حل للمشاكل التي سببت التوتر بين الطرفين.
وتوقع فولك أن تقبل أمريكا الرؤية التركية للقضاء على دولة الحكم الذاتي الكردية في شمال سوريا، فأمريكا لا تود الاستمرار في دفع تركيا للتحرك مع روسيا دون التوافق معها لأن في ذلك خسارة أكيدة لها في سوريا، فهي الدولة الوحيدة التي تدعم فكرة إنشاء الدولة الكردية، بينما يرفضها الآخرون.