الوقت- مازالت أوكرانيا إحدي أهم البلدان المتأزمة
في العالم، وقد انتقلت أزمتها إلي مختلف المجالات الدولية، ومن أهمها روسيا وأوروبا
وأمريكا، وإن كان البعض في هذه الأثناء يريد منع ذلك. وتظهر التصنيفات أن أوروبا هي
الأكثر عرضة للخطر، وتليها روسيا وأمريكا لأسباب مختلفة. وتحاول أمريكا جاهدة إبعاد
نفسها عن تداعيات هذه الأزمة مثل الظروف الجغرافية، على الرغم من أنها لايمكن أن تبتعد
عنها تماماً.
ومن الأسباب التي جعلت أوروبا تعمل علي إنهاء هذه الأزمة العميقة، هو
أنها أكثر عرضة للخطر بكثير. ولا شك في أن الأمن والسياسة في أوروبا، قد ارتبطا بحدود
روسيا وشرق أوروبا بشكل وثيق، والشاهد علي ذلك أيضاً هو وقوع حربين عالميتين قد انطلقتا
من هذه المنطقة الحدودية نفسها.
وفي مثل هذه الأزمة، ثمة قضايا ومواضيع ذات مستويات متعددة، من المهم
التطرق إليها وهي:
1 - لا شك أن الغرب وخاصة أمريكا، كان بادئ الأزمة في أوكرانيا. وواشنطن نظراً
للتطورات في غرب آسيا وشمال أفريقيا والإخفاقات المتكررة في هذا المجال، والتي يعود
السبب في بعضها إلي النشاط الروسي، حاولت جلب الأزمة إلى حدود روسيا الحساسة. وكانت
أوكرانيا هي الخيار الأفضل بسبب أوضاعها التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية،
ولهذا السبب كانت واشنطن قادرة من خلال افتعال الأزمة في هذا البلد، التأثير علي أوروبا
وروسيا في آن واحد. كما سعت في الوقت نفسه إلى جر أوروبا جنباً إلى جنبها ضد روسيا،
وقد تحقق ذلك جزئياً. ولكن ظهر مع مرور الوقت أن مثل هذه السياسة سوف تسبب الكثير من
المشاكل في أوروبا، وخاصة في المجال الأمني.
2 - يعتقد الكثيرون أن رد روسيا إزاء هذه الأزمة التي افتعلت بالقرب من حدودها،
سيكون استخدام سلاح الغاز. ولهذا السبب فإن بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا قد أعدت
نفسها إلى حد ما لهذا الوضع، وبدأت بتخزين الغاز وأعلنت عن ذلك في عدة مناسبات أيضاً،
وقد تبين لاحقاً أن ذلك لن يحدث.
ويري بعض المحللين أن السياسة النفطية الأمريكية والسعودية في خفض أسعار
النفط، جعلت روسيا غير قادرة على استخدام هذا السلاح.
لكن روسيا لم تكن تري ضرورة لهذا الخيار منذ البداية، واتخذت سياسة الصبر
والتريث والاستقطاب الدولي والتواصل مع البلدان الضعيفة في أوروبا بغية اجتذابها. وقد
أظهرت الأحداث في اليونان أن روسيا حققت نجاحاً كبيراً في هذا المجال.
وذلك لأنه ليس فقط أن الرئيس الحالي لليونان قد
سافر إلى روسيا قبل الانتخابات، وتأكد من الدعم الروسي له، بل أعلن بعد الانتخابات
أيضاً وبشكل صريح، أنه سيستخدم حق النقض في الاتحاد الأوروبي ضد العقوبات علي روسيا.
وبالنظر إلى الوضع الحالي في أوروبا، فإن إسبانيا والبرتغال تواجهان هذا الوضع أيضاً.
ومن المحتمل جداً أن اليساريين يفوزون في انتخابات العام المقبل. وفي الوقت الحاضر
تواجه أوروبا موجة من أنصار اليسارية واليمينية المتطرفة التي إذا ما استمرت، فإنها
يمكن أن تخلق مشاكل أساسية لها.
3 - تحاول أمريكا استخدام سلاح الطاقة نفسه ضد روسيا، ولهذا السبب أوصلت أسعار
النفط بالتعاون مع السعودية إلي حدها الأدني الممكن. وبنفس القدر الذي يمكن أن تتضرر
روسيا جراء السياسة النفطية الحالية لواشنطن-الرياض، فإن الصين ستضاعف قدرتها الاقتصادية،
وهذه هي نفس المشكلة الهيكلية التي تواجهها أميركا. وما حدث في مؤتمر الأمن في ميونيخ،
قد جسّد مجموعة جديدة من التحديات بين روسيا والغرب، حيث كل طرف كان يحاول تقديم الطرف
الآخر بأنه المسؤول عن الأزمة في أوكرانيا. قادة أوروبا وأمريكا وجهوا مجموعة واسعة
من التهم إلي روسيا، كما قال وزير الخارجية الألماني "فرانك فالتر شتاينماير"
في كلمته التي ألقاها في هذا المؤتمر: لقد ابتعدنا كثيراً عن التوصل إلى حل سياسي.
يعتقد الكثيرون أن نهج روسيا تجاه اليونان المنفصلة عن أوروبا، وكذلك
زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي مصر في 10 من فبراير 2015، كانت ردود موسكو
العملية علي الأطراف الغربية، والتي تعبر عن استمرار التوتر بين الجانبين في الأشهر
المقبلة.
ش