الوقت - شكَّلت الرسالة التي بعثتها واشنطن لحلفائها من الجماعات المسلحة في سوريا، حديث الإعلام خلال اليومين الماضيين. في حين جاء خبر فشل المفاوضات الروسية الأمريكية حول الأزمة السورية، ليضرب الأمل الذي ساد قبل أسبوع بقُرب التوصل الى حل يدفع العملية السياسية الى الأمام. لكن أحداً لم يخرج ليجد الرابط بين رسالة واشنطن وفشل المفاوضات. لنقول إن الرسالة عبَّرت عن نوايا ومطالب واشنطن الحقيقية، والتي يجب الوقوف عندها وتحليلها. فكيف يمكن الربط بين الرسالة الأمريكية وفشل المفاوضات؟ وماذا أثبتت واشنطن من خلال المسألتين؟
تقرير حول الرسالة الأمريكية وما تضمَّنته
نقل المبعوث الأمريكي إلى سوريا مايكل راتني رسالة إلى ما يُسمى فصائل المعارضة السورية، بشأن الاتفاق الذي تسعى إليه أمريكا وروسيا حول الأزمة في سوريا حملت تاريخ الثالث من أيلول الحالي. وأشار راتني في الرسالة الى أن الإتفاق يتضمن وقفاً لإطلاق النار في مدينة حلب، مع إيصال المساعدات للمدنيين عبر وساطة الأمم المتحدة. وتضمنت الرسالة تفاصيل الهدنة في حلب، حيث ستشمل فتح طريق الكاستيلو شمال المدينة، وطريق الرامسة جنوبها، كما ستتراجع قوات النظام السوري والمعارضة عن الطريقين لمسافة محددة من أجل السماح بدخول المساعدات.
وتحدثت الرسالة عن أن الإتفاق يهدف لمنع روسيا طائرات النظام السوري من قصف المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة بحسب تعبير المبعوث الأمريكي، بما فيها جبهة فتح الشام، والتي سيتكفل طيران النظام السوري بإضعافها. كما أكد المبعوث الأمريكي أن إعادة العمل بالهدنة من شأنه أن يسمح بعملية سياسية مثمرة.
من الرسالة الأمريكية الى فشل المفاوضات مع روسيا
تناقلت وسائل الإعلام منذ ساعات، فشل واشنطن وموسكو في التوصل الى اتفاق حول سوريا، خلال المفاوضات التي جرت بينهم على هامش قمة العشرين في هانغتشو شرق الصين. وبحسب مصادر إعلامية فقد أكد دبلوماسي امريكي كبير، أن المفاوضات فشلت والخلافات في وجهات النظر بين الطرفين ما تزال مستمرة. وفي التفاصيل فإن المفاوضات والتي بدأت يوم الأحد دفعت أمريكا لإلقاء اللوم على روسيا متهمةً إياها بالتراجع في بعض القضايا، مما أفشل تلك المحادثات. وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بأنه معقَّد خصوصاً أن موسكو تتعاطى مع الأمور بمنطق التشكيك. مما دفع الرئيس الروسي فلاديمر بوتين للتصريح يوم أمس على هامش قمة العشرين بالقول إن الطرفين الأمريكي والروسي أقدمتا على خطوة جديدة لإطلاق التعاون حول سوريا، لكن هناك نقاط اختلاف تقنية موجودة. معولاً على إمكانية وصول وزراء خارجية البلدين الى تقدم قد يدفع مساعي تسوية الأزمة السورية نحو الأمام.
لماذا فشلت المفاوضات؟
عدة أسباب تكمن وراء فشل المفاوضات، وهي نفسها تصف سلوك أمريكا المُخادع في التعاطي مع الأزمة السورية. والتي يمكن اختصار عنوانها بإبقاء الإرهاب تحت مُسميات عديدة، من أجل ضمان أوراق قد تدعم المفاوضات وفرض النتائج. فيما يمكن إعادة أسباب فشل المحادثات مع الجانب الروسي الى التالي:
أولاً: تُصر أمريكا على تصنيف الجماعات المسلحة السورية على أنها "معتدلة"، وهو ما ترفضه روسيا وكافة المنظمات الإنسانية لا سيما بعد أن اهتز الرأي العام بجريمة جماعة "نور الدين الزنكي" بحق الطفل الذي لم يبلغ عمره 13 سنة، في حين تدعم واشنطن هذه الجماعة. مما يعني أن واشنطن ما زالت تراهن على عناصر إرهابية تقع تحت إمرتها، من أجل بناء واقع ميداني ضاغط في المعادلة السورية لصالح الطرف الأمريكي.
ثانياً: كانت المطالب الأمريكية من روسيا، مطالب بعيدة عن الواقع ولا تتناسب مع طبيعة الحلول التي يجب أن تضمن سيطرة الجيش السوري على الميدان وليس دعم الإرهابيين تحت حجة تأمين المعونات الإنسانية لهم. وهذا ما أثبتته من خلال مطالبتها منع النظام السوري بشن غارات على مناطق ومواقع المسلحين.
ثالثاً: انتقلت واشنطن في مطالبها الى محاولة إسترضاء المسلحين وتأمين أهدافهم العسكرية التي لم يستطيعوا تحقيقها في الميدان عبر تحقيقها في السياسة. وهو ما حاولت واشنطن فرضه عبر الطلب من روسيا إقناع النظام السوري بالإنسحاب من منطقة شمال حلب، تحت حجج واهية باتت معروفة، ولا تنطلي على موسكو. وهي تهدف في الحقيقة لكسر الطوق الذي فرضه الجيش السوري على المسلحين وقلَب من خلاله المعادلات الميدانية.
ماذا أثبتت أمريكا من خلال رسالتها للمسلحين وفشلها في المحادثات مع روسيا؟
لا شك أن مسار الأزمة السورية فضح نوايا واشنطن في أكثر من مرة. لكن ما جرى منذ يومين من خلال فشل المفاوضات والتي تزامنت مع الرسالة التي سُرِّبت وأفصح فيها الأمريكيون عن حقيقة مطالبهم. وهنا فإن التحليلات قد تختلف لكنها ستتفق على العديد من النقاط والتي سنُشير إليها فيما يلي:
أولاً: أكدت واشنطن أنها تحاول أن تخدع العالم وبالتحديد روسيا، فيما يخص الأزمة السورية. فيما تعاني من مشكلة نفاذ الأوراق السياسية بسبب تراجع حلفائها عسكرياً وانهزامهم في الميدان السوري. وهو ما أجبر واشنطن على محاولة تحقيق مآربها في السياسة عبر المفاوضات بعد الفشل في الميدان.
ثانياً: أثبتت واشنطن أن رهانها في الأزمة السورية كان وما يزال على الإرهاب، فيما بانت حاجة واشنطن الحالية لذلك، في ظل السعي لتحقيق مكسب يخدم الإدارة الأمريكية دعما للطرف الديمقراطي في الإنتخابات الأمريكية. وهو ما دفع بالأمريكيين للجموح نحو مطالب بعيدة عن المنطق السياسي لطرف يُجيد فهم الواقع السياسي. خصوصاً بعد أن ظهرت واشنطن بموقع الضعيف من خلال مطالبها.
ثالثاً: يمكن إعتبار الرسالة التي وجَّهتها واشنطن الى المسلحين، دليلاً على التخوُّف الأمريكي من تغيُّر بوصلة حلفائها من الجماعات الإرهابية في سوريا. خصوصاً أن تجربة القاعدة في أفغانستان والتي أسستها واشنطن لإسقاط الإتحاد السوفياتي سرعان ما انقلبت لتُصبح بشكل أو بآخر مُهددة للمصالح الأمريكية. فكانت الرسالة محاولة لإرضاء المسلحين. في حين لم تصل الجهود الأمريكية الى أي نتيجة عملية.
رابعاً: أثبتت أمريكا ومن خلال سلوكها على طول الأزمة السورية، أنها لم تسعَ يوماً لتحقيق مصلحة الشعب السوري ووحدة سوريا. وهو الأمر الطبيعي الذي تتصف به السياسة الأمريكية. في حين تُشكِّل مطالب واشنطن، خرقاً لسيادة سوريا خصوصاً عبر التدخل بتحديد سلوك الجيش السوري وعدم احترامها للدولة السورية والتي تُعتبر الطرف الأول المعني بحماية هذه السيادة وتحديد مصالح سوريا الكبرى.
خامساً: تُعتبر المطالب الأمريكية إقراراً بالهزيمة في سوريا، حيث لم تعد تمتلك واشنطن أي أوراق ميدانية تُمكنها من فرض ما تشاء. وهو ما لم تشهده أمريكا على طول تاريخها السياسي. في حين باءت محاولتها في تحويل منطقة شمال حلب الى منطقة منزوعة السلاح بالفشل، فسقطت مطالبها وسقطت معها آخر أوراقها السياسية حالياً.
لا شك أن الأزمة السورية باتت مُعقدة في ظل ميل الكفة لصالح الجيش السوري وحلفائه من محور المقاومة الى جانب روسيا. كما يبدو واضحاً أن الطرف الروسي لم يعد يثق بأمريكا بالشكل الذي يظنه البعض، خصوصاً بعد تجربة الهدنة الماضية. مما يجعل الطرفين بحاجة لتقديم أوراق، تتناسب مع موقع الطرف الآخر. في حين يجب على أمريكا أن تكون واضحة في مطالبها، والتي لا بد أن تتناسب مع مصلحة الدولة السورية. وهو ما لا يبدو أن واشنطن أقرَّت بالحاجة الحتمية له حالياً.