الوقت - خرجت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي"، لتجعل بداية مشوراها، نووياً بإمتياز. حيث قامت بدعم إستخدام السلاح النووي. فيما كان خطابها موجهاً للخطر الروسي تحديداً. الأمر الذي ردت عليه موسكو بالأسف. لكن كلام "ماي" لم يكن كلاماً عشوائياً بل تُدرك رئيسة الوزراء الجديدة، ما قالته، ولو كان واضحاً أنه لا يخدم بريطانيا، بقدر ما يخدم مصالح واشنطن. فماذا في تصريحات السيدة ماي؟ وما هي دلالات ذلك؟
تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة والرد الروسي
قالت رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" إنها لا تمانع في الموافقة على ضربة نووية قد تؤدي إلى مقتل مئة ألف شخص مدني، رداً على سؤالٍ تم توجيهه لها، خلال مناقشة النواب للمذكرة التي تطالب بتجديد النظام. في وقتٍ كان قد أقر مجلس العموم البريطاني، تجديد نظام الردع النووي، وذلك بعد جلسةٍ وصفها الإعلام بالـ "عاصفة". ودافعت "ماي" عن تجديد البرنامج النووي، معتبرة أنه الضمانة الأكيدة، لأمن البلاد. مشيرة إلى أن أعداء بريطانيا لا بد أن يعلموا أنها مستعدة لإستخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت لأي تهديد. مؤكدةً أن مصادر المخاطر النووية على بريطانيا، روسيا وكوريا الشمالية. وكان قد صادق مجلس العموم على تجديد نظام الردع النووي وعلى استبدال غواصات البلاد النووية الأربع "ترايدنت"، بكلفة لا تقل عن 49 مليار يورو. فيما تظاهر الآلاف في لندن احتجاجاً على تجديد برنامج ترايدنت تلبية لدعوة حركات معارضة للنووي.
ورداً على تصريحات "ماي"، أعرب المتحدث باسم قصر الرئاسة الروسى ديمترى بيسكوف أمس الثلاثاء، عن أسف موسكو لتصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، حول التهديد المزعوم الذى تشكله روسيا. وأوضح بيسكوف أن روسيا هي أحد الضامنين الرئيسيين للإستقرار الدولي والأمن النووي والاستراتيجي. معرباً عن أمله فى أن تتبنى رئيسة الوزراء البريطانية "ماي" وجهة نظر موضوعية نحو بلادنا وليست شخصية.
الدلالات والتحليل
عددٌ من المسائل يجب الوقوف عندها نُشير لها بالتالي:
- إن تصريح رئيسة الوزراء البريطانية، يناقض التعهدات الدولية، لا سيما اتفاقيات حظر السلاح النووي. فيما كان مُستغرباً، إعلانها عن ترحيبها بإستخدام السلاح، ولو أدى الى قتل الآلاف من المدنيين.
- إن التهديد الروسي، بحسب بريطانيا، ليس بجديد. في حين يُمكن القول أن بريطانيا ومن خلال موقف رئيسة وزرائها، تسعى للترويج لتفعيل استخدام السلاح النووي. وهو ما يُعيد التساؤلات، حول مستقبل هذا السلاح، وكيفية إدارة مخاطره دولياً.
- كما أن تصريحات ماي، تدل على توجهٍ لدعم الخطاب المُتطرف، وإيجاد واقعٍ قد يُعوِّض عن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، الأمر الذي مهَّد لإنهيار الإتحاد، وأفقد بريطانيا دورها المؤثر أوروبياً. حيث أن بريطانيا كانت بوابة العبور الأمريكي لأوروبا. وهو ما يبدو أنها ما زالت تسير فيه، خدمةً للمصالح الأمريكية.
- مما يعني أن بريطانيا، تقوم بلعب دور بارز، في التعويض عن خروجها، عبر الترويج لنفسها، كطرف فعَّال على الساحة الأوروبية، خارج الإتحاد. فيما كانت المخاطر القومية عنوان ذلك، وتحديداً روسيا.
ما هي النتائج التي يجب استخلاصها؟
- تسعى رئيسة الوزراء الجديدة، للترويج لنفسها، عبر إطلاقها مواقف متشددة، وهو ما يجعلها تبرز بسرعة على الساحة الأوروبية والعالمية. كما هو حال انجيلا ميركل وهيلاري كلينتون. فيما كان خطابها تحريضياً بحسب المراقبين.
- يؤكد خطاب "ماي"، على أهمية المصالح الأمريكية بالنسبة لبريطانيا. بل يؤكد على أن بريطانيا ما تزال تتكلم بلغة واشنطن. وهو الأمر الذي يُهدد العلاقات البريطانية الروسية المشتركة. كما أنه يخدم سياسة واشنطن، الساعية لتأجيج الصراع الأوروبي الروسي. وهو ما لا مصلحة لبريطانيا فيه. فيما لن تتأثر أمريكا.
- يدل خطاب "ماي"، على وجود تناقضٍ بين الشعارات الأوروبية، والمصالح السياسية، حيث ينسى المسؤولون الأوروبيون، القيم والشعارات التي تنادي بها بلادهم، خصوصاً الديمقراطية والسلام، حين تفرض مصلحتهم التماشي مع سياسات واشنطن الدولية.
- تُظهر كلمات "ماي"، والتي نادت بإستخدام السلاح النووي، حجم النفاق واللامهنية، في عمل المنظمات الدولية المُكلفة بمنع انتشار السلاح النووي. حيث أنها لم تُطلق أي موقف مُندِّد. بل إن كلام "ماي"، يإمكانية استخدام السلاح، يُعتبر خرقاً لجوهر التعهدات الدولية، خصوصاً، معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
هي السياسة الدولية، تبنيها المصالح المشتركة. فيما ينظر الكثير من المراقبين بقلق، لحجم الإنجراف الأوروبي نحو السياسة الأمريكية. وهو ما أبدته بوضوح رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة. حيث بدت وكأنها تتكلم بإسم المصالح الأمريكية. الأمر الذي سينعكس سلباً، على مصلحة الجغرافيا السياسية لأوروبا، وعلاقتها بروسيا. فيما يتساءل الكثيرون عن موقف الدول الأوروبية الأخرى من التصريح البريطاني. وهو ما ستكشف الأيام المُقبلة، بالإضافة الى ردات الفعل الدولية.