الوقت- على أعتاب 12 تموز، تبدأ الأحاديث عن حرب تموز 2006، أو كما يُسميها، أصحاب الشأن السياسي، حرب لبنان الثانية، من قبل الكيان الإسرائيلي. في حين أنه ومهما قيل عن الذكرى، فهي لم تكن مجرد حدثٍ تاريخيٍ عابر. من الناحية الأهم، شكلت الحرب انتصاراً لمحور المقاومة قادها ونفذها حزب الله. ومن الناحية المقابلة، شكلت الحرب فشلاً ذريعاً للكيان الإسرائيلي، بكل ما تحمله كلمة فشل من معنى. لكنها لم تكن فشله فقط، بل كانت فشل كل الذين راهنوا عليه من دولٍ إقليمية وغربية. في وقتٍ ينظر المراقبون اليوم، الى الصراع الذي باتت تحكمه موازين ردعٍ أو رعبٍ أو قدرةٍ، يُحددها حزب الله وليس تل أبيب. لنقول أن الواقع اليوم، يُظهر كيف يتحكم حزب الله بتحديد المعادلات، وليس القيادة الإسرائيلة. فكيف يمكن تبيان ذلك؟
ميزان الردع بحسب الإعلام الإسرائيلي
على أعتاب الذكرى، خرجت وسائل الإعلام الإسرائيلية، للحديث عما تعنيه الحرب، بالنسبة لمن كان جزءاً منها في الجيش الإسرائيلي. في حين أنه، وفي وقتٍ يخرج البعض ليُروِّج لأن الحرب كانت سبب الهدوء الذي تعيشه تل أبيب في جبهتها الشمالية، وهي ساهمت في رفع منسوب الردع من قبل الجيش الإسرائيلي مقابل حزب الله، يظهر واضحاً أن الكثير من ضباط هيئة الأركان، لا يؤمنون بهذه المقولة، بل يؤمنون بأن الردع هو نتيجة انتصار حزب الله ونتائج هزيمة الكيان. وهو ما نشرته صحيفة هآرتس، التي رأت أن أسباباً ثلاثة، تكمن وراء وجود هذا الردع:
- دخول حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا بشكل أصبح دائماً، مما يعني ارسال عديدٍ يصل إلى خمسة آلاف مقاتل على الأقل، للحرب السورية.
- السبب الثاني، هو حرص محور المقاومة وتحديداً الجانب الإيراني، على إبقاء ورقة ما يُسمى بالترسانة الصاروخية في يد حزب الله، والتي تبلغ بحسب التقديرات الإستخبارية الإسرائيلية نحو 130 ألف صاروخ. والتي أسهمت في ردع نتنياهو الذي كان يدرس مهاجمة إيران على خلفية برنامجها النووي.
- السبب الثالث للهدوء، بحسب الصحيفة، هو ميزان الردع المتبادل بين الجانبين، حيث أكدت الصحيفة أن لتل أبيب القدرة على إلحاق الضرر بحزب الله، وقصف مناطقة ومراكزه، وهو ما أثبتته في حرب تموز، لكن لذلك، وجهاً آخر بحسب الصحيفة، حيث أن القيادة العسكرية، باتت تُدرك حجم ترسانة الأسلحة لدى حزب الله وقدرته على إسقاط ما يُقارب 1500 صاروخ يومياً على الجبهة الداخلية وإمكانية الحزب ضرب المواقع الإستراتيجية كمحطات طاقة وموانئ ومطارات. وهو ما تؤمن تل أبيب أنها عاجزة عن صدِّه بشكلٍ فعلي.
ما بعد الحرب: حزب الله وإدارة الصراع
إن النظر بعين الحاذق الى مجريات الأحداث، يجعلنا نتفاؤل بالنتائج. فالزمن الذي كان يخرج في الصهاينة والأمريكيين، ليُحددوا مسار الأمور تغيَّر. وهو ما يمكن أن نشهده على خط الصراع العربي الإسرائيلي. فيما يمكن تأكيد ذلك، من خلال ما يلي:
- إن الواقع الذي يخرج البعض ليُبشرنا به، عن تطور العلاقات الإسرائيلية العربية، ليس إلا دلالةً على حجم التراجع الكبير الذي تشهده السياسة الأمريكية في المنطقة. فالإنتقال من موقع القادر على فرض المعادلات، الى موقع المسارع نحو الصالونات الدبلوماسية، يعني الكثير. وهو ما تعنيه بالحقيقة، حالة الود والإلفة التي بدأت تظهر لتجمع بعض العرب مع تل أبيب. حيث أن الظروف تغيرت، ولم يعد بإمكان مهندسي الحروب، فرض الوقائع.
- وهنا وربطاً بما أشرنا له أعلاه، لم تكن حرب تموز، حرباً إسرئيلية فقط، بل كانت حرباً من كل الذين نراهم اليوم يحتشدون في الصف الإسرائيلي، ضد حزب الله. فيما كانت المؤامرة، أكبر من مجرد هزيمة الحزب، لتتخطى ذلك نحو ضرب محور المقاومة. ولأن الأسباب مقرونة بالنتائج، فإن انتصار حزب الله في تموز 2006، لم يكن على تل أبيب فقط، بل كان على الداعمين لضرب محور المقاومة.
- اليوم، تجري الأمور للأهداف نفسها، لكن في الميدان السوري. فيما يبدو واضحاً أن الحزب الذي هزم الكيان الإسرائيلي في تموز 2006، هو نفسه من يصنع الإنتصارات في سوريا منذ 2011 حتى اليوم 2016. ليكون الحزب، رأس الحربة في ميدانٍ، ستخسر فيه أمريكا وتل أبيب ومن معهم حتماً.
أما فيما يخص ميزان الردع، يخرج الكثيرون ليقولوا أن تل أبيب اليوم، مطمئنة بسبب الهدوء الذي يسود الجبهة الشمالية، في حين تعيش القيادة الإسرائيلية القلق، لأسبابٍ عديدة:
أولاً، لم تعد قيادة الجيش الإسرئيلي قادرة على استخدام ورقة إفتعال الحروب لفرض السياسات. بل إن الهيبة التي كان يمتلكها الجيش الإسرائيلي، أضحت في خبر كان. وهو الأمر الذي يجعلنا نرى في المقابل، أن حزب الله بادر لدخول الحرب السورية، مؤمناً بقدرته على صنع المعادلات، وقلب الواقع الميداني. وهو ما أنجزه فعلاً.
ثانياً، إن النظر الى ميزان الردع في الجبهة الشمالية مع لبنان، ليس بسبب القدرة التي تمتلكها تل أبيب. بل بالحقيقة، يعود للتغير النوعي والكمي، الذي باتت تتصف به منظومة حزب الله العسكرية، حيث أن الصواريخ، أصبحت أكثر، وذات فعالية أكبر من ناحية المدى بل إن ما يُمكن زيادته على العدد والنوعية، هو القدرة على الإصابة الدقيقة، مقابل العجز الإسرائيلي عن الدفاع.
ثالثاً: كما أن الرعب الطاغي لدى الجيش الإسرائيلي، من قدرة حزب الله على التحرك في أكثر من ميدان، و تطوره من حرب العصابات فقط، الى الجميع بين التكتيك الكلاسيكي وتكتيك الميليشيات، جعله قادراً على التناغم بين التقنية العسكرية التي تعتمدها الجيوش، وتقنيته العسكرية في المقاومة والتي راكمها على مرور السنوات. فيما زاد على ذلك، تجربته في العمل العسكري الهجومي، لينتقل نحو قدرة متكاملة، تجمع بين إدارة العمليات، وجمع المعلومات الإستخبارية، والإستفادة من سلاح الجو، الى جانب المدفعية وقوات التدخل. وهو ما يزيد في تأثيره على قدرة قوات النُخب الأقوى في العالم.
إذن، بات حزب الله اليوم، طرفاً يُحدد مُجريات الصراع. فيما يمكن القول أن تل أبيب لم تكن يوماً تنتظر إذن أحدٍ لتشن الحروب. لكنها اليوم أمام واقعٍ، صنعته إنجازات حزب الله النوعية، ودعم محور المقاومة. واقعٌ يقول أنه لم يعد بمقدور الإسرائيليين ولو قرروا، شن الحروب. بل هم أعجز من ذلك. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن التحول النوعي في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، بين تموز 2006 وسوريا 2016، هو أن حزب الله بات من يُقرِّر معادلات الصراع.