الوقت- خرج الأمين العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله في خطابه الأخير منذ أيام، للحديث عن أن معركة الدفاع عن حلب، هي معركة الدفاع عن دول المنطقة، لا سيما لبنان وسورية والعراق والأردن. وهو الأمر الذي حاول الكثيرون تفسيره وتحليله. فيما بدا واضحاً أن الحزب دخل مرحلة التحول الإستراتيجي، في قيادةٍ معركةٍ مفصلية يُشكل رأس حربتها. فماذا في المشهد الإقليمي اليوم؟ وما هي رسائل خطاب السيد نصر الله الإستراتيجية؟ ولماذا تختصر معركة حلب، الصراع القائم في سوريا والمنطقة؟
مقدمة: المشهد الإقليمي بإختصار
كثيرةٌ هي التحليلات حول الوضع في المنطقة. لكن المشهد الأكثر وضوحاً، يأخذنا لسوريا، حيث أضحت معركة الجميع في بقعة جغرافيةٍ واحدة. وهنا فإن عدة نقاط، يمكن أن تكون سبباً في جعل الأطراف كافة، تُعطي الأزمة السورية اهتماماً أكبر. لكن لا بد من توضيح المشهد الإقليمي حيث نُشير للتالي:
- إستطاع العراق تثبيت نفسه كطرفٍ أساسي في المعركة القائمة على الإرهاب. فيما شكلت انتصاراته لا سيما نجاحه الأخير في معركة الفلوجة، في إخراجه من معادلة الإبتزاز الغربي والإقليمي. حيث أضحى طرفاً قادراً على الإعتماد على قدراته العسكرية.
- من جهةٍ أخرى، تتراوح الأزمة اليمنية مكانها حتى اليوم، في ظل مفاوضات تتسم بالغموض حول اليمن. فيما تعيش البلاد أزمة إنسانية، يغيب عنها المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
- على صعيدٍ آخر، تغرق الدول العربية كافة بأزماتها الداخلية على الصعد الإقتصادية والأمنية والسياسية لا سيما الدول الخليجية، بالإضافة الى مصر. فيما يعيش الوضع في البحرين حالةً يمكن وصفها بالمنعطف الخطير، حيث يُمارس النظام أبشع وجوه القمع بحق شعبٍ مطالبه مدنية وأدواته ما تزال سلمية.
- بالإضافة الى ما تقدم، تعيش تركيا حالةً من القلق وخيبة الأمل، من أوروبا وأمريكا. وهو الأمر الذي قد يكون دفعها للغرق أكثر في الملف السوري. فيما تُشكَّل إعادة العلاقات المُستجدة بين الطرفين التركي والروسي، أمراً يستوجب إنتظار التطورات المُقبلة.
- كلُّ ذلك يحصل في ظل سعيٍ من الإدارة الأمريكية نحو إكمال مشروع القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وذلك تحقيقاً لإنجازٍ قد يستطيع أن يرثه الديمقراطيون إن نجحوا في الإنتخابات الأمريكية. في وقتٍ تظهر فيه روسيا في حالةٍ من محاولة التوفيق بين الخيارين العسكري والسياسي. في ظل قناعةٍ وصل لها الروس، لا سيما بعد خديعة الهدنة الأمريكية، بضرورة المضي في معركة القضاء على الإرهاب، بدءاً من حلب، ثم دير الزور.
- أمام كل ذلك، تمضي إيران ومحور المقاومة، لا سيما حزب الله، بنفس الوتيرة التي بدأت، حيث أن أولوية الجميع في المرحلة المقبلة، هي القضاء على الإرهاب. وليس هناك أي إمكانية للمضي بأي خيارٍ سياسي، دون أن يكون في صالح الشعب السوري، ومحور المقاومة.
بين المشهد الإقليمي و رسائل السيد حسن نصر الله
أمام المشهد هذا، خرج الخبراء ليقفوا على ما عناه كلام السيد نصر الله، في خطابه الأخير. وهو الأمر الذي لم يلتفت له الكثيرون. فيما نشير له بالتالي:
- في ظل المعركة الإقليمية التي تُشن على حزب الله، للتضييق عليه، خرجت الصحافة الإسرائيلية لتقف بقلق عند فشل كل محاولات النيل من الحزب حتى على الصعيد المالي. حيث أظهر الإعلام العبري، أهمية أولاها المُحللون الإسرائيليون، والذين سخروا من محاولات الدول الخليجية وتل أبيب من محاصرة حزب الله مالياً. وهو ما أكده السيد نصر الله، ووضعه في خانة أن من ينقل السلاح ينقل حقائب الأموال.
- من ناحيةٍ أخرى، فإن حديث السيد نصر الله عن جهوزية الحزب العالية في كافة الظروف، أعادت الإعتبار لحالة القلق الذي تعيشه تل أبيب، لا سيما من خلال تأكيد السيد على أن الذهاب الى سوريا، لم يمنع قيادة الحزب وبالتحديد الشهيد القائد مصطفى بدر الدين، من تأمين العديد اللازم للذهاب الى العراق، في مهلة ساعات معدودة. وهو ما شكَّل بحد ذاته مناورةً للتعبئة العسكرية السريعة.
- تأكيد السيد على أن الحزب أرسل عديداً كبيراً لسوريا للمشاركة في معركة حلب. وهو الأمر الذي حاول فيه السيد، الإجابة على الكثير من الأسئلة التي طرحتها الإشاعات والترويجات التي حاولت النيل من قدرات حزب الله، وإظهاره كطرفٍ مُستنزفٍ في سوريا.
معركة حلب المفصلية وأهميتها للمنطقة
كثيرةٌ هي دلالات معركة حلب وأسباب أهميتها. فيما سنحاول الإضاءة على ما يجعلها، معركةً مفصلية.
أولاً: من الناحية المعنوية هي تعتبر المدينة الصناعية الأولى في سورية والشرق الأوسط. الأمر الذي جعلها محط طمع الأمريكيين وأعوانهم في سوريا. إضافة الى ذلك، فإنها تتضمَّن من الناحية الديمغرافية والإجتماعية، تكتلاتٍ بشرية تختصر كافة الأديان والمذاهب والقوميات، في سوريا والمنطقة. لذلك فإن انتصار حلب على الإرهاب، يعني، تثبيتاً للعيش المشترك. وقدرةً على ترسيخ الروح الوطنية، والتي يحتاج لها الجميع اليوم، ليس فقط سوريا.
ثانياً: إن الموقع الجغرافي لحلب، يجعلها المنطقة المركزية في الصراع السوري من الناحية العسكرية. فبالإضافة الى أن تحريرها من الإرهاب يعني قطع الطريق على الممر الشمالي(من تركيا) وإيقاف عملية تغذية الإرهاب عسكرياً ولوجستياً، فإن الإمساك بحلب عسكرياً، يعني سقوط كافة المناطق الأخرى المحيطة. وهو الأمر الذي يجعل توجُّه محور المقاومة، لإستكمال معركة حلب، قبل غيرها من المناطق، ذكاءاً عسكرياً فشل الأمريكيون في منعه، عبر هدنةٍ كانت تهدف لتمزيق المُخطط العسكري الموضوع للمدينة.
ثالثاً: ربطاً بالنقطة الثانية، فإن موقع حلب العسكري، وهو ما يعرفه المختصون بالتخطيط العسكري، جعل أغلب الدول الغربية والتي تنتمي للناتو، لا سيما فرنسا والمانيا وبريطانيا وتركيا بالإضافة الى أمريكا، تُسرع لإنشاء قواعد لها هناك، وجعلها مراكز تدريبٍ وتوجيه، ساهمت ولفترةٍ طويلة في تقوية الإرهاب ودعمه، بل في تمديد الأزمة السورية. كل ذلك بهدف تحصيل أوراقٍ لها، لعلها تصبح أطرافاً مؤثرة على سير الأزمة سياسياً وعسكرياً. وهو ما يُثبت أهمية معركة حلب الإستراتيجية، في الصراع السوري والإقليمي والدولي.
إذن، يمكن القول وبموضوعية أن معركة حلب تختصر الأزمة السورية. فتحريرها يعني إسقاط مشروعات الغرب كافة في سوريا والمنطقة. وهو الأمر الذي يؤكده سعي الدول الغربية لجعلها خطاً أحمر. فيما أسقط محور المقاومة، كل الخطوط الحمراء، وفرض المسار الصحيح للحرب في سوريا. واليوم يمكن القول، أن مشروع التقسيم، أو مشروع إدارة الإرهاب، عبر محاولة تفعيل دوره وإبقائه في الميدان، وصولاً لمُخطط إدارة الأزمة السورية، وليس إنهاؤها، مشاريع سقطت. فيما يُشكل حزب الله رأس حربةٍ في معركةٍ مفصلية، يتحول فيها نحو دورٍ إستراتيجي أكبر.