الوقت- تمكن اكراد سوريا من طرد داعش من مدينة منبج السورية، الواقعة في محافظة حلب والتي تعتبر المنفذ الاساسي الذي يربط داعش مع تركيا ومنها الى العالم الخارجي. حالیا اصبحت المدینة خارج دائرة سيطرة الجماعة الاجرامية، في هذا السياق طُرح الكثير من الأسئلة حول خيارات اردوغان والذي لطالما عوّل على دعمه جماعة داعش الاجرامية في سبيل تحقيق مشاريعه وحفظ تدخلاته على الساحة السورية، فما هي الخيارات المتاحة امام اردوغان؟ وماذا يعني طرد داعش من الحدود المتاخمة لتركيا بيد الأكراد؟
ماذا تعني منبج بالنسبة لأردوغان؟
اولاً: استعادة منبج ومن بعدها الرقة يهدف الى وصل عفرين بعين العرب، وبالتالي يتيح لأكراد سوريا والعراق تجاوز الضفة الشرقية لنهر الفرات الى ضفته الغربية، وبالتالي يعني ان الاكراد باتو يسيطرون على المئة كيلومتر التي كانت تركيا قد وضعتها منطقة سورية ممنوعة على الاكراد، وعليه فإن ما يعادل اكثر من نصف الحدود السورية التركية اصبحت بيد الاكراد، هذا من شأنه وفق الحسابات التركية ان يسهل وصل المناطق الكردية الثلاث في العراق وسوريا وتركيا نفسها.
طبعاً ليس القلق التركي من مشروع انشاء اقليم كردي سوري، فاردوغان استطاع التأقلم مع الجانب الكردي العراقي وابرام اتفاقيات نفطية معه خارج دائرة السلطات العراقية، وعليه فإن القلق الاردوغاني من أن يستفاد من ورقة الاكراد السورية من الجانب الامريكي والمحور الغربي لخدمة مشاريعهم التي قد تضر بأردوغان.
ثانياً: استعادة منبج يعني لأردوغان سقوط مشروعه التوسعي في سوريا، وازلة للخط الأحمر الذي فرضه اردوغان على مدى السنوات الخمس الماضية على القوى المتدخلة بالشأن السوري، هذا مضافاً الى قلق اردوغان من ان يكون اشتداد قوة اكراد سوريا مقدمة لتحركات اكراد تركيا على نطاق اوسع في مطالبتهم بالإنفصال.
الممر الضيق وخيارات اردوغان الصعبة
اولاً: يدرك اردوغان انه اصبح في موقع المنتظر والمتوقع لعواقب سياسته الخاطئة على مدى السنوات الماضية، وفي دائرة الخيارات المتاحة، فقد بعث اردوغان بوسيط الى الدولة السورية للتشاور حول تقدم قوات سوريا الديموقراطية في حلب شمال البلاد -خارج نطاق التنسيق مع السلطات السورية- في مسعى اردوغاني للخروج من أزمته، وبحسب الوسيط، فقد نقل عن الجانب السوري قوله ان الحكومة السورية ترى ان اردوغان لا زال يختلف كثيراً والتطلعات السورية، حيث ان اردوغان لا زال مستمراً وبقوة في دعمه الجماعات الاجرامية، وهذا يعني عدم توفر الجدية من قبل اردوغان في احداث تغيير في سياسته، وسوريا ليست مستعدة للدخول مع تركيا في اي علاقات قائمة على المصالح المؤقتة والمتضاربة، يضاف الى ان اردوغان فقد مصداقيته خلال السنوات الماضية نتيجة سياسته.
ثانياً: يدرك اردوغان الثقل الروسي في علاقته مع الجانب السوري، ولهذا بدى التودد الاردوغاني للجانب الروسي واضحاً في الفترة الأخيرة، ومن امثلة ذلك ما قام به اردوغان منذ عدة أسابيع، حيث أشار في حديث له، إلى أن إسقاط الطائرة الروسية كان خطأ ارتكبه الطيار التركي، تبع ذلك رسالة تهنئة بعثها اردوغان في العيد الوطني لروسيا إلى نظيريهما الروسيين فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف، وتمنى أردوغان في رسالة التهنئة أن تعود العلاقات بين البلدين إلى المستوى الذي يجب أن تكون عليه.
ثالثاً: اردوغان عمد ايضاً وفق خياراته على تعزز جبهة منبج وإعزاز بالمزيد من الاجراميين عبر الحدود مزودين بأسلحة مختلفة، هذا الخيار الذي يستمر فيه اردوغان يضرب اي نية جدية لديه في تغيير سياسته، ويتناقض مع دلالات ارسال مبعوث من قبله الى الحكومة السورية.
في هذا السياق تجدر الاشارة الى الحديث عن انه، هل استعادة منبج ومن بعدها الرقة بأيدي كردية وتغطية امريكية خارج نطاق التنسيق مع الدولة السورية يعكس توجه امريكي لدفع الأمور نحو اعطاء الاكراد حكماً ذاتياً؟ ام انه فقط دفع نحو تقوية خيار التقسيم وتحضير الامور له مستقبلاً بجعل الورقة الكردية عامل اضافي ومساعد على ذلك؟ وبالتالي تقوية الاوراق الامريكية للتفاوض على الشأن السوري؟