الوقت- لا ينتهي الجدل الدائر حول استمرار الاتفاق النووي في ظل تهديد مرشحي الرئاسة الأمريكية، وفي مقدّمتهم المرشح الجمهوري "دونالد ترامب"، الأمر الذي دفع بقائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي للقول خلال استقباله كبار مسؤولي الدولة في ضيافة رمضانية بـ"أننا لن ننتهك الاتفاق النووي لكننا سنحرقه لو هددنا الطرف الآخر بتمزيقه".
واشنطن التي رفعت السقف عالياً خلال العام الماضي، عادت لتتراجع عن تصريحات مرشحي الرئاسة، وقبلهم أعضاء في الإدارة الأمريكية الحالية، بعد تهديد قائد الثورة بحرق الإتفاق، هذا ما أكّده مساعد مستشار الأمن القومي في البيت الابيض وكبير مستشاري الرئيس الاميركي باراك اوباما، "بن رودز" موضحاً أن واشنطن ستبقى ملتزمة بتعهداتها في الاتفاق مع ايران حول النووي وان الرئيس المقبل لن يمزق الاتفاق.
تراوحت التصريحات العامة التي أطلقها المتنافسون الأمريكيون بشأن الاتفاق النووي بين الأمل والغضب. هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي إتخذت المنحى الأول خاصّة أن وزيرة الخارجية السابقة كانت جزء من "التحالف الذي أوصلنا إلى هذا الاتفاق"، حسبما عبرت في مؤتمر صحفي في تمّوز العام الماضي، وتحاول السيناتورة السابقة من خلال هذا الدعم الكامل للاتفاق الإيراني التعويض عن تصويتها عام 2002 لصالح حرب العراق. في المقابل، إعتبر المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية "دونالد ترامب" خلال مناظرة تلفزيونية في 13 فبراير/شباط الماضي أن توقيع الاتفاق النووي مع إيران "عار" على أمريكا، مضيفاً:ئ"المفاوضات التي أجريناها مع إيران هي أسوأ مفاوضات رأيتها في حياتي". لم يكتف المرشّح الرئاسي المثير للجدل بسبب مواقفه العدائية تجاه الإسلام والمسلمين عند هذا الحد، بل توعّد بتمزيق الاتفاق النووي حال فوزه في الإنتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2016.
بصرف النظر عن القدرة القانونية للرئيس الأمريكي على نسف الإتفاق النووي، والعقبات التي قد تعترضه في الكونغرس الأمريكي، إلا أن الرئيس القادم لن يقدم على تمزيق الإتفاق النووي لأن طهران ستقوم بحرقه، ولعل هذا ما دفع رود، مساعد مستشار الأمن القومي في البيت الابيض، للقول بـ" أن هيكلية الاتفاق النووي تضع عقبات كثيرة أمام الرئيس الامريكي المقبل لتمزيقه."
هذا في العلن، بحسب ما يؤكد عارفون ببواطن الأمور ومتابعون للنهج الأمريكي إزاء طهران في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي. أما في الكواليس هناك مشروع واضح لدى الإدارة الأمريكية للتنصّل "الناعم" من الاتفاق النووي، تارةً عبر النكث بإلتزاماتها التي أبرمتها مع طهران، وأخرى عبر خلط الملفات والعمل على نقل عنوان العقوبات من الملف النووي إلى الصاروخي، وأحياناً إلى ملف حقوق الإنسان وتدخّلات إيران في المنطقة.
إن المطالعة الدقيقة للمواقف التي تصدر عن مراكز القرار في واشنطن تؤكد أن الرئيس المقبل لن يقدم على أي خطوة مماثلة تغضب طهران وتجعلها في حلّ من كافّة إلتزاماتها في الإتفاق النووي، بل سيحاول رمي الكرة في ملعب طهران على الصعيدين الداخلي (الإيراني) والعالمي، وفي كافّة الجوانب الإقتصادية والأمنية والسياسة والعسكرية. هذا يمكن استشفافه من دوائر صناعة القرار في أمريكا، وما أشار إليه بشكل غير مباشر مساعد مستشار الأمن القومي في البيت الابيض وكبير مستشاري الرئيس الامريكي باراك اوباما بالأمس.
طهران، وكما أكّد قائد الثورة الاسلامية "ستلتزم ولن تنتهك الاتفاق النووي ابتداء لان الوفاء بالعهد امر قرآني ولكن لو نفذ مرشحو الرئاسة الامريكية تهديدهم بتمزيق الاتفاق النووي فان الجمهورية الاسلامية ستحرق الاتفاق وهو كذلك امر قرآني حول نكث العهد من الطرف الاخر". الإلتزام هنا يسري على الإتفاق بأكمله رغم أنه يتضمن 'نقاط ايجابية ومحاسن' واخرى 'نقاط سلبية وعيوب'. في المقابل، تقتصر إلتزامات واشنطن على الجزء المتعلّق بطهران، أي ستحاول العبور من خلال الزوايا المليئة بالغموض من وثيقة الاتفاق النووي والتي وفرت الأرضية لإساءة استغلالها من قبل الطرف الأخر للهروب من تعهداتها، وهذا ما يفسّر احتفاظهم باجراءات الحظر الاولية تماما وهو الامر الذي يؤثر على اجراءات الحظر الثانوية التي كان من المقرر الغاؤها، وفق ما يرى قائد الثورة في ايران.
لطالما حذر قائد الثورة في السنوات الماضية من خداع ومكر أمريكا، وقد شدّد في أكثر من مناسبة على أن واشنطن ستنكث بعهدها، إلا أنه اليوم وبعد إثباته للجميع، في الداخل والخارج، رؤيته الدقيقة، لن يسمح بأن يتحوّل الإتفاق النووي إلى ورقة ضغط أو ابتزاز، وسينفّذ ما وعد به عند أول مفترق طريق.
واشنطن تدرك هذه الحقيقة جيّداً، حتى قبل الخطاب الأخير لآية الله خامنئي، ولهذا تعمد اليوم إلى سياسة "القضم الناعم" في الاتفاق النووي، فما هو الأسلوب الذي سيرد من خلاله قائد الثورة في ايران؟