الوقت- العدو الصهيوني ومنذ اخفاقاته المتتالية في حروبه التي شنها على محيطه في فلسطين ولبنان وسورية منذ العام 2000 وحتى اليوم بالاضافة الى عجزه عن فعل اي شيء ضد الملف النووي الايراني. يشعر يوما بعد يوم بضعفه وعجزه عن المواجهة وخروجه من دائرة الفاعلية, الامر الذي يجعله وسط ازمة مصيرية ...
أزمة يترجمها الكيان الاسرائيلي, تفجيرا لتناقضات هنا واخرى هناك, فكلما شعر بالخوف لجأ اكثر وأكثر الى تأجيج الصراعات وتزكيتها، مباشرة ام بواسطة حلفائه الوكلاء.
في محاولة منه للنيل من محور المقاومة فها هو الان يفجر مصر بعد سورية والعراق والاردن .. وما الاعلان عن قتل الطيار الاردني الا فتنة بدأت بذورها تنبت مع الاعلان عن اعدام الموقوفة الارهابية في السجون الاردنية والانقسامات التي تبعت هذا الاعلان داخل البرلمان الاردني و في اوساط المجتمع.
ان الشعب الاردني شعب هجين ومتلاقح من عدة اصول، اردنية، فلسطينية وغيرها. اما بنيته الاجتماعية فهي محكومة بروابط عشائرية وقبلية وبدوية. مما يجعله عرضة لتجاذبات يفرضها المحيط, من مشاكل وصراعات سياسية او عسكرية, مع التنويه بالمواقف الوطنية والقومية الجامعة والداعمة لقضية فلسطين والقضايا العربية من قبل شرائحه الشعبية.
انطلاقا من هذا, من المتوقع ان تحدث ردات فعل غير محسوبة من قبل التيارات القومية والوطنية المعادية للتيارات الاسلامية: كالاخوان المسلمين والتيار السلفي, وقد تصل الى حد الاشتباك والتقاتل مما يهدد الأردن بحرب اهلية.
فمشروع حرب اهلية في الاردن يدمر مقدرات البلد, مطلب اسرائيلي وسط ما يراه الكيان الاسرائيلي من ضغط تجاه حل مسألة القضية الفلسطينية, والاردن هو المشروع القديم, الوطن البديل للفلسطينيين والحرب الاهلية اولى الخطوات.
لكن الحرب الاهلية لا يمكن أن تساق عبر مؤامرات دول اقليمية كحال سوريا, لأن النظام الاردني ينتمي لجبهة الدول المتآمرة على سوريا, مما يضع خيار القبول الامريكي والغربي بالتخطيط لمؤامرة غير مقبولة, ويبقي الفتنة الحل الوحيد امام الكيان الاسرائيلي للمضي في مشروع اقامة دولة فلسطينية محاصرة في الاردن واسكات الضغوطات الغربية.
فكان المطلوب لتحقيق ذلك عملية قتل شنيعة وبشعة بكل المعايير لشحن النفوس بما يدفع لردات فعل عنيفة بين العشائر وفئات الشعب الاردني وصولا الى اشعال حرب اهلية.
فللفتنة القائمة حاليا في الدول العربية التي تحولت بأغلبها الى جزر متناحرة يستنزفها الارهاب عبر الحركات التكفيرية, وكلها ظروف تعتبر الكيان الاسرائيلي المستفيد الاول منها فهو يؤمن لها :
أ ـ تصفية القضية الفلسطينية عبر تفكيك الامة العربية واغراقها في حروب داخلية واقليمية لحرفها عن هدفها التحرري من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الاستعمارية الغربية .
ب ـ صرف النظر والتعمية عما يدور من عملية تهويد للقدس والتهام الاراضي الفلسطينية عبر بناء الكتل الاستيطانية وتهجير فلسطيني اراضي 48.
ج ـ حصار قطاع غزة والضفة واختلاق الحواجز بينهما عبر ضرب وحدة المصير بين المناطق الفلسطينية وتعزيز روح الاستقلال الوهمي وحالة الانفصال.
د ـ القضاء على حق العودة بالقوة التهجيرية حتى من داخل اراضي العام48 لا سيما القدس او التفافا عبر القرارات الدولية الهادفة الى توطين الفلسطينيين في الشتات.
ه ـ لكن الاكثر خطورة هو مشروع اقامة وطن بديل عبر ربط غزة مع جزء من سيناء والضفة الشرقية للاردن مما يسمح باقامة وطن فلسطيني هزيل ودولة يهودية بحتة قوية ويؤمن مخرجا من الضغوط الغربية على الكيان الاسرائيلي للقبول بدولة فلسطينية وهذا مايرفضه الكيان الاسرائيلي ضمن اراضي الضفة وال 48.
الطريق الأوحد أمام النظام الاردني للخروج من الأزمة:
على صعيد المواقف الرسمية والشعبية، حول ما يدور من صراعات في دول الجوار لاسيما سوريا، العراق، مصر، وبخاصة في سيناء، فان النظام الأردني الرسمي أصبح امام خيارات صعبة, لم تعد تحتمل المناورة او المداورة بل تفرض وعيا حقيقياً واستراتيجيا بالخطر المحدق بالمنطقة بعامة وبالاردن ونظامه بخاصة كما يفرض اتخاذ موقف واضح من الحرب في سوريا والعراق مع وضع الخطط والاسترتيجيات السياسية والعسكرية التي تحفظ للاردن وحدته وتطفىء النيران في الجوار قبل وصولها الى عمق البلاد.
ولخروجه من ازمته لا بد من اعتماد استراتيجية تتألف من خطوات:
أـ المحاربة الجدية للارهاب.
ب ـ اعادة تصويب البوصلة على القضية القومية وبمقدمتها القضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة في المنطقة لتبييض صورة النظام الذي استغرق في علاقاته مع المشروع الاسرا-أمريكي الذي اصبح يشكل خطرا على حليفه.
ج ـ العمل على تعزيز استقلالية القرار الاردني داخليا واقليميا بما يحفظ وحدة اراضيه ولحمة شعبه وتحقيق مصالحه القومية والعربية
اما شعبياً، فلا شك أن هذه الجريمة ستؤكد مقولة القوى الوحدوية القومية وصوابية توجهاتها في الاردن, مما يسمح لها بتفعيل دورها الشعبي والوطني واستثمار الحدث لدفع البعض الاخر المتعاطف مع القوى المتشددة لاعادة النظر بتحالفاته ومواقفه ازاء ما يحدث في سوريا والعراق ومصر وكامل المنطقة بعدما تبينت المخططات والدوافع الحقيقة لتلك الجماعات ولدورها المشبوه بخاصة بعدما طالت وحشيتها حتى المتعاطفين معها عقائديا وطالت الاعدامات مقاتليها وضباطها في مناطق عين عرب مؤخرا.
ان الشعب الاردني امام مفترق طريق اما وحدة الرؤية والتوجه والمسار والمصير او التناحر والتفكك حتى زوال الدولة واقامة الوطن الفلسطيني البديل.
الاعدام حرقا ليس الهدف فعين الكيان الاسرائيلي الداعشية على ما بعد الحدث:
ان هذه الحادثة وما سبقها وطبعا ما سيليها تضع العقل العربي وبخاصة الاردني وجها لوجه امام العجز الامريكي الغربي الذي توهم حاكم الاردن انه سيحميه, وستدفعه للتساؤل عن جدوى الاحتماء بدول لا تستطيع حماية نفسها "فرنسا، امريكا" بل هي محكومة للكيان الصهيوني على ضعفه وما مبررات الانحناء امام غطرسة هذه الدول والرهانات الخاسرة على دعمها مقابل شلالات من الدم العربي وتفيكيك الدول الى محميات محكومة جغرافيا بحدود دموية تستغلها هذه الدول كل ما احتاج الكيان الاسرائيلي لمشروع يؤمن حمايته ولو على حساب حليف او صديق او عدو لا فرق والاردن ومصر ليست الا المثال الحي..
ما قبل حرق الطيار الكساسبة ليس كما بعده ..
فهل يكون حرق معاذ بداية تحرير الشعب الاردني من التبعية للهيمنة الغربية وتضليل الرجعية العربية والتنسيق المذل من الكيان الصهيوني, أم أنه بداية لحرب اهلية تجر تسوية تنتج الوطن البديل الفلسطيني؟